تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ»

تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ»

تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ»

 السعودية اليوم -

تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ»

حازم صاغية

قبل أيّام احتُفل بمرور ربع قرن على تحرير الكويت من غزو صدّام حسين. وكان لافتاً أنّ ذلك الحدث التحريريّ أثار من العواطف، على تضاربها، ما كانت أعمال التحرير من الغزاة والمحتلّين كفّت عن إثارته.

ذاك أنّه بين 1956، سنة العدوان الثلاثيّ وحرب السويس، و1962، عام استقلال الجزائر، صُرفت آخر قطرة كانت تنطوي عليها الحماسة لتحرير الأرض من طرف أجنبيّ. فالحقبة المذكورة ما لبثت أن أدّت إلى تبديد واضح لما يُفترض أنّه تراكم قوميّ ضدّ محتلّ أجنبيّ أو مستعمِر. ففي المشرق انفجرت الصراعات الدموية بين الناصريّة وخصومها في لبنان والعراق والأردن، وكان ما عُرف بالصراع على سوريّة، ثمّ الوحدة المصريّة – السوريّة ومن بعدها الانفصال السوريّ، عبوراً إلى الصراع الناصريّ – البعثيّ، ووصولاً إلى الصراع الناصريّ – الفلسطينيّ وولادة حركة «فتح» التي انشقّت عن التيّار القوميّ العريض وانتزعت منه العلّة الأبرز بين علل وجوده. أمّا في المغرب، فبعد أشهر على استقلال الجزائر، انفجرت «حرب الرمال» الجزائريّة – المغربيّة ثمّ أطاح «جيش التحرير» أحمد بن بلله، وكان ما كان.

ولئن تلكّأ اليمن الجنوبيّ بضع سنوات، فهو أيضاً ما لبث أن طرد المحتلّ البريطانيّ في 1967 مُكملاً الحرب الموازية بين «جبهة التحرير» و «الجبهة القوميّة»، قبل أن يمتدّ مبضع الأخيرة إلى زعيمها قحطان الشعبي ويروح الرفاق، سنة بعد سنة، يمارسون رياضتهم الوطنيّة تلاعباً برؤوس رفاقهم.

أمّا الموجة الثانية للاصطدام بالغازي والغريب، فكانت مع غزو الإسرائيليّين لبنان في 1982. يومذاك، وعلى عكس الخمسينات والستينات، لم يظهر ما يُعتدّ به من حماسة عربيّة، على رغم العقود المتتالية من تلقين الأجيال أنّ فلسطين «قضيّة العرب القوميّة الأولى».

فإذا كانت الحقبة القوميّة للخمسينات والستينات قد أخلت مكانها لحروب ونزاعات تجافي كلّ تصوّر لما هو انسجام قوميّ، فإنّ حرب 1982 التي جاءت مسبوقة بحرب مسيحيّة – فلسطينيّة في لبنان، كانت عمليّاً حرباً فلسطينيّة – إسرائيليّة، قبل أن تستمرّ وتتواصل في حرب شيعيّة – إسرائيليّة.

وقد يرى المراقب في هذا التحوّل ما يُذهل التوقّعات البسيطة التي سبق أن رافقت هزيمة 1967، والتي عبّرت عنها أطنان من الورق والخطابة حول وحدة المعركة وشموليّة الهزيمة ونكسة الأمّة. لكنّ ذلك كلّه لم يردع الحرب الفلسطينيّة – الأردنيّة من أن تندلع في 1970. فحين ظُنّ أنّ حرب 1973 أتت تعيد تصويب المسار، جاء افتراق الطريقين المصريّ والسوريّ وانفجار الحرب الأهليّة – الإقليميّة في لبنان يصوّبان المسار من موقع معاكس.

أمّا غزو الكويت وتحريرها، بوصفهما الموجة الثالثة الكبرى، فتميّزا، في ما يعنينا هنا، بأنّ الغازي بات هو نفسه عربيّاً، فيما المحرّر الطارد الاحتلال أميركيٌّ، ولو وقف على رأس تحالف عريض يضمّ عرباً وغير عرب.

فلئن أسّس غزو 1982 للحرب التي تعني جماعة بعينها دون سواها، فقد أسّس غزو 1990 وتحرير 1991 لخمسة مستجدّات نوعيّة لا تترك شيئاً من المعنى القديم للتحرير أو للغزو والاحتلال. فأوّلاً، تحرّر عرب من عرب آخرين. وثانياً، تمّ ذلك بقيادة وقرار غير عربيّين. وثالثاً، تعاطفت الحماسة «الجماهيريّة» العربيّة، ما عدا في منطقة الخليج، مع الغازي. ورابعاً، باتت الانشطارات الأهليّة العربيّة تكتسب وجهاً إقليميّاً ومناطقيّاً وضع الخليج في مقابل المشرق والمغرب، والعكس بالعكس. وخامساً، ترافق القتال مع أعمال طرد لـ «الإخوة العرب» من العراق ومن الخليج.

ثمّ كان غزو العراق في 2003 فأطاح أشرس استبداد عرفه التاريخ العربيّ الحديث، بحيث تداخل الاحتلال والتحرير على نحو يُدهش الرواية البسيطة. وفيما العراقيّون يستأنفون أعمال غزوهم الذاتيّ، طوائف ومناطق، اندلعت الثورات العربيّة التي قالت، بأكثر من لسان وطريقة، أنّ المستعمر إن هو إلا الحاكم المستبدّ من أبناء جلدتنا.

والحال، ولننسَ للحظة صراخ «القضيّة المركزيّة»، أنّ الغازي والأجنبيّ هو اليوم كلّ عربيّ يقيم على مبعدة كيلومترين من عربيّ آخر.

 

arabstoday

GMT 14:23 2023 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

مطر العجيري

GMT 12:28 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

الأمن القومي هاجس حكومة الكويت الجديدة

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 14:54 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت الراحل

GMT 09:50 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

في وداع «الإطفائي الأخير»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ» تحوّلات «الغازي» و«المحتلّ»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab