الثورة السوريّة العقل والقلب

الثورة السوريّة: العقل والقلب

الثورة السوريّة: العقل والقلب

 السعودية اليوم -

الثورة السوريّة العقل والقلب

حازم صاغيّة

مدينة حلفايا الصغيرة ومقتلة فرنها هما السبب الألف للقول إنّ نظاماً كهذا لا يُساوِم ولا يُساوَم معه. والرمزيّة الكامنة في ذاك القصف الجوّيّ لطالبي أرغفة من الخبز باتت عزيزة إنّما تملك من البلاغة ما لا يملكه كلام. هذا النظام يختطف اليوم مدينة دمشق، آخر معاقله العسكريّة. وهو، في مجرّد استمراره ومعاندته اليائسة، يُبدي الاستعداد الكامل لتحويل العاصمة السوريّة إلى حلفايا كبيرة، بمبانيها ومعالمها وآثارها وأسواقها ومقارّ مؤسّساتها. وحين نسترجع ما حصل في مدينتي حلب وحمص، يغدو الخوف ممّا قد ينتظر دمشق مشروعاً ومبرّراً. لقد انتقلت الثورة السوريّة على امتداد الواحد والعشرين شهراً المنصرمة من طورها السلميّ إلى طورها القتاليّ، ومنه انتقلت إلى تحقيق تقدّم ميدانيّ ملحوظ أكلافه كانت، ولا تزال، باهظة جدّاً. والكلفة الكبرى قد تكون تدمير العقل المفترض للدولة والمجتمع، أي العاصمة الحافظة للاجتماع السوريّ وللحظات اشتراكه ووثائق ذاكرته. والحال أنّ الاحتمال الأسود هذا يلاقيه في منتصف الطريق أنّ الثورة السوريّة هي ثورة قلب أساساً: ذاك أنّ التراكم الفكريّ الذي أتاحه نظام الاستبداد الطويل متواضع جدّاً، فيما انكفاء قطاع عريض من المثقّفين السوريّين عن الثورة أضعف ثقافيّتها لمصلحة الدفق المميّز في التعبير العاطفيّ والحميم الذي عبّر عنه سيل من الأعمال الفنّيّة والإبداعيّة. وهذا كلّه معطوف على أنّ الأرياف والبلدات والمدن الصغرى حلّت في المحلّ الوازن الذي انسحبت منه النُخب الدمشقيّة والحلبيّة. وقد احتلّ موقعاً مركزيّاً من هذا كلّه المكان الذي شغله وعي دينيّ لم يتعرّض لأيّ إصلاح، فاقتصر على لفظيّة شعاراتيّة فقيرة، قليلة الحفول بالمعاني، أو بالآخر الدينيّ والمذهبيّ والإثنيّ، أو بالعالم الأوسع. ويُخشى، مع تضخّم القلب وانكماش العقل، أن تكمّل بعضُ قوى الثورة فعلَ النظام، ولو من الموقع الخصم وبكثير من حسن النيات، بحيث يتقدّم الحقّ من دون وعي هذا الحقّ وإدراك مترتّباته. ولدينا في التاريخ السوريّ الحديث نفسه سابقة مخيفة، هي يوم مهّد الحقّ العلويّ في رفع الغبن والحرمان المديدين لحركة عسكريّة انبثق منها نظام استبداد كالح يخوض اليوم آخر معاركه وأكثرها تدميراً. ويعرف اللبنانيّون كم أنّ الحقّ الشيعيّ في الدفاع عن قرى الجنوب تحوّل رافعة لـ «حزب الله» الذي صار أكبر العوائق في وجه إقامة الدولة اللبنانيّة. ونعرف أيضاً كيف أنّ الحقّ الفلسطينيّ الذي لا يماري أحد فيه، خسر الكثير من حقّيّته حين انفصل عن الوعي بهذا الحقّ. هكذا تتالت الحروب الأهليّة والأعمال الإرهابيّة فيما تكرّست، تعبيراً عن هذا الحقّ، قيادات دهريّة لا تطالها المساءلة ولا يقربها التغيير. ثمّ من الذي قال إنّ الذين ثاروا في روسيّا 1917، أو صوّتوا ضدّ النظام القديم في ألمانيا 1933، لم يكونوا ضحايا ومظلومين ومُضطَهَدين، ومع هذا نشأت عن طلبهم لحقّهم وعن رغباتهم المشروعة أنظمة عريقة للاستبداد وللحروب. وما من شكّ في أنّ مسؤوليّة النظام الذي لا يساوم ولا يُساوَم معه تبقى الأساس في هذا كلّه. بيد أنّ تسجيل المسؤوليّات وتوزيع الحصص عنها لا يحولان دون كارثة تبدو وشيكة في سوريّة وعموم المشرق، كارثةٍ يفاقمها التفاوت بين قلب الثورة وعقلها. نقلاً عن جريدة "الحياة"

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة السوريّة العقل والقلب الثورة السوريّة العقل والقلب



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 18:20 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الدرهم الإماراتي مقابل الدولار كندي الأحد

GMT 21:58 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

منة عرفة توجه رسالة إلى على غزلان والجمهور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab