«داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً

«داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً

«داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً

 السعودية اليوم -

«داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً

حازم صاغية

تنبع قوّة «داعش» الخارقة من كلّ شيء. فهو، بمعنى ما، عصارة القدرة على تحويل أيّ شيء إلى مصدر للقوّة. إنّه يتمرّد على التعريف المُلزم لأنّه يستقي أسبابه من عناصر وشروط ليست بالضرورة منسجمة، وقد تكون متناقضة.

فـ «داعش» يمكن البرهنة على أنّ فيه شيئاً من الحداثة، وأيضاً وبالتأكيد، فيه شيء من القدامة. كذلك فالباحث عن القوميّة يجد فيه قوميّةً، والباحث عن الإسلام يجد إسلاماً، وهو للباحث عن القبيلة قبيلة، وللباحث عن الطائفيّة طائفيّة. بل يمكن لراغب في تحرير فلسطين أن يعوّل عليه كأمل أخير. وهو، بمعنى ما، فوضويّ، وبمعنى ما، فاشيّ، وبمعنى ثالث، اشتراكيّ شعبويّ.

و»داعش» مشكلة ثقافيّة من دون أن يكون كذلك فحسب. فهو يعبّر عن انعدام الإصلاح الدينيّ وتخشّب اللغة العربيّة، تعبيره عن الاستفادة من صعود التلفزيون مصحوباً بشيوع الفتوى. لكنّه أيضاً مشكلة تنموية واقتصاديّة من دون أن يكون كذلك فحسب. فهو يعبّر عن أزمة شبّان الأحياء العاطلين عن العمل في المدن الكبرى، تعبيره عن سوء التوزيع النيو ليبراليّ للثراء الذي أحدثته العولمة. وهو كذلك مشكلة سياسيّة، يقيم فيها تراث الاستبداد الأسديّ والصدّاميّ، وفساد الأنظمة والإدارات في «العالم الثالث» لما بعد الاستقلالات، بل فشل التجارب الدولتيّة الكثيرة. وهو مشكلة تعليم ومناهج، وأنظمة عقاب بدائيّة. وهو مادّة لعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، حيث تُمتحن على ضوء تجربته صحوة العشائر والقبائل التي فشلت الحدود الوطنيّة في احتوائها. وهو بالتأكيد مادّة لعلوم أخرى كثيرة بينها علم النفس والفلسفة، حيث تُفرد صفحات للقسوة والجريمة والشرّ والمسؤوليّة. كذلك فالصورة والإعلام سيكونان، بعد «داعش»، غيرهما قبله. و»داعش» من دون شكّ محلّ الاحتجاج الأوّل والأبرز في عالمنا المعاصر، يخطّىء بهذا كلّ من تسرّعوا في القول إنّ نهاية الحرب الباردة أنهت الإيديولوجيا وأنهت الاحتجاج. فبسهولة «الإسلام هو الحلّ» و»الخلافة» التي لا تخلو من إكزوتيك، يمكن أن يهرع إلى أحضانه كلّ مأزوم في صراعه الجيليّ أو البيتيّ أو مع ربّ العمل أو مع المدرسة، كما يهرع إليه من يعاني الكبت الجنسيّ أو من سحق الفرديّة في عالم يستنطق الفرديّة. وهو يخاطب الشابّ الوافد إلى الشأن العامّ، كما يخاطب المناضل السابق الذي لم يُوفّق في تجربته مع الشأن العامّ. إنّ «داعش» نجل البعثيّ أو «القاعديّ» الخائبين، لكنّه كذلك البعثيّ أو «القاعديّ» المنشقّان.

وهو الدولة الصارمة المتزمّتة واللادولة المحضة، وهو تمرّد الابن على الأب وسطوة الأب على ابنه، بل هو إذعان المرأة وتحويل إذعانها الى صوت وحضور ووظيفة.

ولأنّ «داعش» كلّ هذا فهو قويّ إلى هذا الحدّ. قوّته عابرة للحدود لأنّها هي نفسها استجابة لهموم عابرة للحدود وللأجيال والفئات الاجتماعيّة. فالعولمة التي أوجدت في وقت واحد كلّ العالم في كلّ العالم، وربطت كلّ العالم بكلّ العالم، في المصالح كما في الصورة، أنجبت هذه الهموم كما أنجبت تلك القوّة.

ولنا أن نمثّل بتجربة بعض المجتمعات الوطنيّة كمصغّر عن تجربة «داعش». فهذه المجتمعات شرعت، بعد نيل بلدانها استقلالاتها، تشهد حركات هجرة وانتقال سكّانيّ بحيث ظنّ المنتقلون أنّهم يقتربون من مواطنين لهم ويقيمون في مناطق أخرى من أوطانهم. لكنّ انفجار أزمة الهويّة، مع العولمة وانتهاء الحرب الباردة وتداعي الدول الوطنيّة، حوّل هذا التجاور إلى تجاور مسموم بين أعداء، بحيث تراءى التطهير علاجاً. وما يصحّ في النطاق الوطنيّ يصحّ عالميّاً مع توسّع الهجرات والانتقالات السكّانيّة داخل «القرية الكونيّة».

لكنْ إذا كان الحلّ لمشكلة عالميّة حلاًّ عالميّاً بالضرورة، وإذا كان الحلّ بالضرورة تدميراً لـ «داعش»، على ما هدّد زعماء العالم، فهذا ما ينبغي أن يكون تصحيحاً للعالم ولعالميّة العالم، تصحيحاً يتشارك فيه العرب والمسلمون مع سائر البشريّة، فيتوازى إصلاح الدين وتغيير مناهج التعليم وأنظمة العقاب مع إزاحة الاستبداد من جهة وأنسنة اقتصادات العولمة من جهة أخرى.

ذاك أنّ العلاج الجزئيّ والحربيّ لمشكلة على هذا الاتّساع والعمق وصفةٌ لا تعالج شيئاً.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً «داعش» أيضاً وأيضاً وأيضاً



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab