جنون هذا العالم  بالفعل وبالقول

جنون هذا العالم ... بالفعل وبالقول

جنون هذا العالم ... بالفعل وبالقول

 السعودية اليوم -

جنون هذا العالم  بالفعل وبالقول

بقلم : حازم صاغية

من يستمع إلى ترامب ولوبن وفيلدرز، لا بد أن يلاحظ قاموساً أمنياً غنياً: طرد، منع، رقابة، تفتيش، سَجن (هيلاري كلينتون)، إرجاع إلى بلدان المنشأ (للاجئين والمهاجرين)، بناء جدران... وهي لغة تنمو موازيةً لما بات يوصف، على نطاق واسع، بـ»الجنون» الذي يصور أعمال العنف المتنقلة والمتزايدة. وإذا صح أن منطقتنا وامتداداتها المهاجرة تحظى بحصة الأسد في هذا الجنون، بإضافتها إلى الهموم الكونية همّها الخاص، صح أيضاً أن الأمر يتعدانا ليضرب في بلدان كاليابان أو في مناطق عميقة من أميركا.

والجنون، في هذا المعنى، هو حيث تنكسر تماماً أشكال التضامن الناتجة عن تعاقدات اجتماعية فقدت قدرتها على الإقناع والإلزام. يكفي أن نلاحظ أن شريحة كاملة من المعاني تبدأ بالدولة وتنتهي بالديموقراطية والسياسة، مروراً بالاشتراكية واليسار واليمين والرفاه، تتعرض منذ سنوات للاهتزاز، بل التآكل.

هكذا يتقدم الزمن المعولم، بالثراء الهائل الذي أحدثه، مرفَقاً بافتقارات ثلاثة: افتقار اقتصادي يصيب اختلال التوزيع وتراجع المساواة بفضل النيوليبرالية الظافرة، وافتقار سياسي، مع صيرورة البنى والأشكال الحزبية والانتخابية أقل تمثيلية، وصناعة القرار أشد انفصالاً عن الإرادات الشعبية، وافتقار فكري يجسده انهيار «السرديات الكبرى» من دون نشأة أفكار بديلة تواكب جديد ما بعد الصناعة وتستقطب المخيلات العامة والفردية. بهذا، سادت وتسود نزعة نسبوية أخطر ما فيها حرمان البشرية من مرجعية التنوير.

ولئن كان المهاجرون خصماً سهلاً ومرئياً لمن أصابهم التغير التكنولوجي الهائل، المصحوب بتلك الافتقارات، فقد تحولت هجرتهم عنصراً ضاغطاً على التناقضات السالفة الذكر. فإلى التكاثر النوعي في أعدادهم، تحطمت الوسائط القديمة للاندماج، أحزاباً ونقاباتٍ وقطاع تعليم عام، فيما تزايد التباعد السكني البالغ التراتُب في بعض متروبولات العالم الأول. هكذا تُرك للكنائس ولمجموعات دينية وإثنية أن تتولى أدواراً رعائية قد تذلل بعض المشاكل الحياتية المُلحة، إلا أنها تمد انعدام الجسور بمزيد من الأسباب.

وإذا كان ضمور المساحات المشتركة يعزز العزلة كسلوك لااجتماعي قابل لأن يرعى العنف، فانبعاث بعض الأدوات والطرق البدائية في القتل (السكين، المنجل، الدهس...) يقول الكثير عن مصادر الاستلهام التي تستدعيها الأعمال القاتلة. وهنا، وبغض النظر عن مدى الصلات المباشرة بـ «داعش»، تبقى الأخيرة، خصوصاً في ظل قدرتها على التعميم، المصدر الأغنى.

صحيح أن «داعش» يأتي إلى الساحة بقضاياه الخاصة التي لا تتطابق مع سائر القضايا الكونية وإن تقاطعت معها، إلا أنه يبقى الأول والأبكر والأنشط في العنف، كما في توصيله، مثلما يبقى مالكاً عقيدة تمنح المعنى للامعنى، فضلاً عن كونه تنظيماً بالغ المرونة. وهذا، في عمومه، ما يمنحه القدرة على استيعاب أي «ذئب متفرد»، أو زعم «تمثيله» حتى لو افتقر الزعم إلى أي مصدر صلب.

أما أصحاب الكلام القاتل، كترامب ورفاقه، فأغلب الظن، على ما كتب فيديريكو فنكلشتاين، أنهم يستلهمون خصوصاً الشعبوية الحديثة كما تأسست عام 1945 في الأرجنتين على يد الجنرال خوان بيرون. وهذا التيار الذي يمكن إدراج بوتين وشافيز وأردوغان في عداده، لا يفعل ما تفعله الفاشية من تعطيل للمؤسسات الدستورية وإطلاق لقوى موازية شبه عسكرية، لكن الحاكم يتعايش بموجبه مع مؤسسات أُفرغت من مضمونها وقدرتها واتساع تمثيلها، بما يتيح لأهواء هذا الحاكم أن «تمثل الشعب»، ضداً على قلة من الأصوات «الخائنة والمعزولة» التي تنتظرها السجون.

وعلى العموم، وفي مقابل الوجهة التي سادت في ظروف سابقة، من التمثل بـ «الغرب» الديموقراطي، فإن لاعقلانية الجنون الراهن تنتصر لرأي ماو تسي تونغ من أن «ريح الشرق تغلب ريح الغرب»، أو لرأي أدونيس من أن «وجهك يا غرب مات».

arabstoday

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 16:41 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

رياض الترك وكريم مروّة: شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك

GMT 10:43 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

الصهيونيّة المتقلّصة والصهيونيّة المتمدّدة

GMT 09:05 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله

GMT 16:00 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزّة وحرب فلسطين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنون هذا العالم  بالفعل وبالقول جنون هذا العالم  بالفعل وبالقول



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab