عنصرية ومصالح بعث وعروبة

عنصرية ومصالح... بعث وعروبة

عنصرية ومصالح... بعث وعروبة

 السعودية اليوم -

عنصرية ومصالح بعث وعروبة

بقلم : حازم صاغية

من يتابع السجالات البريطانية بمناسبة الاستفتاء على الاتحاد الأوروبي، يلاحظ كيف توضع المصالح في مقابل نزعات كره الغريب والعنصرية والتعصب. هكذا قيل، في معرض نقد النتيجة التي انتهى الاستفتاء إليها، إن تلك النزعات مُضرّة بمصالح البريطانيين، تؤدي بهم إلى الخسارة وإلى انخفاض مستوى المعيشة. ذاك أن الاستثمار ينكمش عن بلدهم وتهرب منه الرساميل إلى البر الأوروبي، فيما يغدو من الصعب عليهم الإقامة والعمل والدراسة في 27 بلداً أوروبياً. وفي مجادلتهم هذه، نادراً ما يشير نقاد العنصرية وكره الغريب إلى مشاعر إنسانية مجردة يبدو لهم استحضارها أقرب إلى وعظ أخلاقي. أما الصواب الأخلاقي الذي ينطوي عليه هذا الوعظ فلا يبدو لهم كافياً لإدخاله في التداول السياسي والنقاش العام.

تُستحضر تلك الحجج والسجالات فيما يعاني السوريون في لبنان سلوكات بعضها عنصري وبعضها كاره للغريب، لا يتورع عن إشهارها رموز من «علية القوم» في سائر الطوائف، وإن كان الوزير الكامل الأوصاف جبران باسيل يتصدر هؤلاء الرموز جميعاً ويبزهم في العنصرية.

لكن الكلام في المصالح عندنا لا يطل برأسه إلا لماماً في الرد على تلك الزفرات الغريزية التي تتعدد مصادرها في التلفزيونات والجرائد، فضلاً عن الإجراءات والقيود العملية في الانتقال والعمل، وعن انتهاكات وارتكابات متواصلة. ولما كانت حجة «الأخوة القومية» غدت مسخرة لا يصدقها «القوميون» أنفسهم، تقدمت مناهضة العنصرية وكره الغريب بحلة أخلاقية وخطابية يصعب الرهان على إحداثها تغييرات جدية في الواقع أو في الأفكار.

وبالطبع فإن ما يضعف حجج مناهضي العنصرية، في هذا المجال، أن ضحاياها السوريين لا يصدرون عن دولة تتبادل المنافع والمصالح مع لبنان، بل عن دولة تولت تهجيرهم ومحاولة قتلهم فيما هي ذاتها تحترق بنارها.

لكنْ ألم يكن ممكناً التخفيف من معاناة العنصرية لو أن الفترة السابقة عرفت مصالح مشتركة وأسست للوعي بمثل هذا الاشتراك في المصالح؟

بمعنى آخر، خضع لبنان حتى 2005 لما عُرف بنظام الوصاية السورية. مع هذا، وعلى رغم إنشاء «مجلس أعلى» بائس، لم يحصل ما يستحق الذكر على صعيد المصالح الاقتصادية التي كان ممكناً رفعها اليوم في مواجهة العنصرية وكره الغريب، إما من قبيل التذكير بمثال آخر مفيد، أو من قبيل التنويه باحتمالات مستقبل آخر واعد.

وترتفع الدهشة إلى ذروة أعلى حين نتذكر أن الحزب الذي مارس تلك الوصاية على لبنان، معطوفة على وصايته الكابوسية على سورية، إنما هو «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي يتصدر قائمة الأحزاب الموصوفة بالقومية في العالم العربي. ولئن رأى الحزب المذكور إلى سورية ولبنان بوصفهما جزءين من «أمة عربية واحدة» هي، طبعاً، «ذات رسالة خالدة»، فإن وحدة الأمة وخلود رسالتها لم يُربطا مرةً بمصالح مشتركة بين الجزءين اللذين «جزأتهما الحدود الاستعمارية».

والحال أن القومية العربية في صيغتها المشرقية إنما عجت بالحديث عن «التاريخ» و»اللغة» و»الوجدان»، وما لبثت القومية إياها، في صيغتها المصرية – الناصرية، أن فاضت بهوى «الأمن القومي» و»الضرورات الاستراتيجية». وبدورهم صرف الناطقون بلسان هذه القومية في صيغتيها عقوداً وهم يتهاترون في ما إذا كانت «وحدة الهدف» تتقدم على «وحدة الصف»، أم العكس، وما إذا كانت «الطريق إلى فلسطين» تفضي إلى «الوحدة»، أم العكس. لكنْ حينما أعطيت هذه القومية فرصتها في «علاقات مميزة» بين سورية ولبنان، دامت نيفاً و15 سنة، اقتصرت ثمارها على خط عسكري للتهريب بين البلدين «الشقيقين».

وفي الخلاصة، كان الخواء الذي انطوت عليه الوصاية، والنظرية القومية التي استندت إليها، والحزب الذي هندسها، من عناصر التأسيس للسلوكات والمشاعر والتعابير الوسخة التي يواجهها اليوم السوريون في لبنان.

arabstoday

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 16:41 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

رياض الترك وكريم مروّة: شيوعيّان عربيّان لم يعودا كذلك

GMT 10:43 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

الصهيونيّة المتقلّصة والصهيونيّة المتمدّدة

GMT 09:05 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

في أنّ قوّة «حلّ الدولتين» نابعة من استحالة بدائله

GMT 16:00 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزّة وحرب فلسطين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عنصرية ومصالح بعث وعروبة عنصرية ومصالح بعث وعروبة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab