عن تجدّد التهويل بـ «التوطين»

عن تجدّد التهويل بـ «التوطين»

عن تجدّد التهويل بـ «التوطين»

 السعودية اليوم -

عن تجدّد التهويل بـ «التوطين»

حازم صاغية

بين فينة وأخرى، يظهر من يذكّرنا بـ «مؤامرة التوطين»، وغالباً ما يكون التذكير تهويلاً، كما يكون مناشدةً للجماعة التي يتمّ تذكيرها بأن تعدّ للأمر عدّته، فيما ينطوي أحياناً على لائحة اتّهامات تطاول القوى المحلّيّة، خصوصاً الخارجيّة، الضالعة في «المؤامرة» هذه.

و «التوطين» يملك تراثاً يُعتدّ به في بلدين مشرقيّين على الأقلّ هما لبنان والأردن. فهنا اصطدم النزوح الفلسطينيّ الكثيف، بعد «نكبة» 1948 و «نكسة» 1967، بمخاوف الجماعات وتوازناتها العصبيّة في كيانين صغيرين وحسّاسين، فيما تحرّرت المشاعر والتعبير من كوابح عاناها السوريّون والعراقيّون بسبب الأنظمة العسكريّة المصحوبة باللفظيّة القوميّة.

واليوم، ومن دون أن يختفي التهديد بـ «التوطين» الفلسطينيّ، ترتفع نبرة التهديد بـ «التوطين» السوريّ، لا سيّما في لبنان، وتحسّ الجماعات التي لا تشارك أكثريّةَ السوريّين الدين والمذهب أنّ «المؤامرة» الجديدة إنّما تستهدفها في وجودها نفسه.

لكنّ مسألة «التوطين» التي لم يضجر منها النقاش منذ ثلث قرن، والتي خلّف نقاشها جبالاً من الندوات والمؤتمرات والكتابات والخطب، كانت تنتهي دوماً إلى إجماع سلبيّ حولها، إجماعٍ يتعدّى المحذّرين منها إلى المتّهمين بها الذين يردّون بأنّهم لا يعملون إلّا لـ «عودة» سيأزف موعدها بعد «تحرير» ما.

والحال أنّ الأمر لم يعد الموقف من «التوطين»، فيما خرائط المنطقة باتت كلّها موضوعة على الطاولات ومطروحة لإعادة النظر. ذاك أنّ فشل الدول – الأمم كما قامت، بعد انقضاء الصيغة الإمبراطوريّة الأقدم عهداً، واستحالة الصيغ القوميّة الوحدويّة، لا بدّ من أن يبعث، غداً أو بعد غد، على ابتكار صيغ جديدة لاجتماع أهل المنطقة وشعوبها. وما بين أفكار تُتداول، فيديراليّة وكونفيديراليّة، وربّما محاولات لتكييفنا مع دول – مدن لم يتمّ تخيّلها من قبل، يغدو الكلام عن «التوطين» لزوم ما لا يلزم.

وقد يكون مفهوماً أن تسعى الجماعات إلى هندسة للخرائط تلبّي رغباتها وما تراه مصالحها، ومن يحضر السوق يشتري ويبيع كما يقال. غير أنّ التهويل بـ «التوطين» لم يعد مفهوماً، وسط هذا العصف الجيولوجيّ بالحدود والأوطان والشعوب، إلّا بوصفه مزيداً من «شدّ العصب» لمن يستهدفه التحذير من التوطين. وهذا ما تتأدّى عنه أكلاف قد تكون باهظة بالدم والأرواح دفاعاً مجّانيّاً عن قضايا لم تعد قضايا.

وكما في شعارات كثيرة يراد لها أن تحتفظ برواجها، على رغم كلّ شيء، كتحرير فلسطين أو إحياء اليسار، يتبدّى كأنّ عالم الشيوخ لا زال يستبدّ بنا من حيث هو، في المحلّ الأوّل، عالم ذاكرة. فما دام البشر يُعرَّفون بما يفعلونه، فالشيوخ الذين يفقدون قدرتهم على التجدّد والفعل إنّما يُعرَّفون بما يتذكّرونه. ذاك أنّ الذكريات، هنا، هي الثروة المتاحة، وإن عجزت عن أن تصير إكسيراً للحياة لتقتصر على كونها عقاقير تبعد الموت قليلاً.

وفي العلاقة بالزمن والواقع باتت شهيرة قصّة ذاك الجنديّ اليابانيّ الذي ظلّ مختبئاً لعقود، بعد استسلام اليابان وانتهاء الحرب العالميّة الثانية، ظنّاً منه أنّ الحرب ماضية على قدم وساق. وأقلّ ذيوعاً منها قصّة تروتسكيّي فرنسا الذين تجدّد خلافهم في 1997 بين قائلين أنّ الاتّحاد السوفياتيّ هو، كما وصفه تروتسكي، دولة عمّاليّة منحطّة بيروقراطيّاً، وقائلين أنّه محكوم بديكتاتوريّة بورجوازيّة. فلم يحل مرور ستّ سنوات على اندثار الاتّحاد السوفياتيّ دون اندلاع هذا النقاش حول طبيعته، ودون طرد 70 مناضلاً خالفوا الانضباط والرأي الحزبيّين.

لكنْ، لئن كان المساجلون التروتسكيّون سذّجاً، فإنّ المهوّلين بـ «التوطين» عندنا لا تحول شيخوختهم دون خبثهم الباهر والخطير.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن تجدّد التهويل بـ «التوطين» عن تجدّد التهويل بـ «التوطين»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab