العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة

العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة

العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة

 السعودية اليوم -

العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة

حازم صاغية

حرب مصغّرة خاضتها الدولة التركيّة، قبل أيّام ثلاثة، داخل الأراضي السوريّة. أمّا الهدف المعلن فنقل ضريح سليمان شاه، جدّ مؤسّس الدولة العثمانيّة عثمان بن أرطغرل، من موقعه إلى تركيّا، ومنها إلى بقعة أخرى في سوريّة تكون أشدّ قابليّة للحماية.

المعارضة التركيّة لأردوغان لم تقلّ عنه حماسة لهذه العمليّة «الثقافيّة»، المدجّجة بالجنود والدبّابات. وهي حين انتقدته عليها انتقدت ما انطوت عليه العمليّة من «تأخّر» ومن «تفريط». فسليمان شاه وعثمان بن أرطغرل إذا كانا رمزين لدولة بني عثمان المسلمين، في عرف الإسلاميّين، فإنّهما رمزان لدولة بني عثمان الأتراك، في عرف القوميّين.

في الحالات كافّة فإنّ مقارنة الحسم هنا بالتردّد حيال حرب كوباني بين «داعش» والأكراد، وما تأدّى عن ذاك التردّد من اتّهامات لأنقرة بالتواطوء، تجيز القول بأنّ الأتراك اختاروا مدخلاً «ثقافيّاً» لدورهم الكبير والمعلن خارج أراضيهم، وأنّهم غلّبوا الاعتبار هذا على كلّ اعتبار آخر، كما وجدوا فيه العنصر الأكثر قابليّة للمماهاة مع الوطنيّة التركيّة.

وليس قليل الدلالة أنّ السياسيّ الذي أعلن عن العمليّة العسكريّة الأخيرة لم يكن إلاّ أحمد داوود أوغلو، رئيس الحكومة الحاليّ، الذي سبق له هو نفسه أن أطلق، بوصفه وزير الخارجيّة يومذاك، دعوات التعاون والتكامل مع المحيط بحجج تغلب عليها حجّة المصالح الاقتصاديّة الجامعة.

بلغة أخرى، فإنّ حكّام تركيّا اختاروا، في تمثيلهم لمحصّلة الوعي الوطنيّ التركيّ، أن يكرّروا الوجهة التي حكمت مسار القوى العالمثالثيّة من قوميّة ويساريّة وشعبويّة على عمومها، أي الانتقال من التركيز على الاقتصاديّ (تنمية، استقلال اقتصاديّ، انفصال عن السوق الرأسماليّة إلخ...) إلى التركيز على الثقافيّ (دين، أصالة، كرامة، رموز إلخ...)، أي بكلمة موجزة: على الهويّة.

والحال أنّ الحكم التركيّ – وهو إيديولوجيّ وإسلاميّ تعريفاً – ليس قليل التأهيل لإدارة عمليّة انتقال كهذه. فقد سبقت حرب الضريح في الشمال السوريّ إشارات كثيرة من هذا القبيل الهويّاتيّ، بما فيها استعراض أردوغان الأزياء العسكريّة لأطوار السلطنة العثمانيّة.

فإذا أضفنا قوّة النازع الإيديولوجيّ والهويّاتيّ لدى نظام شرق أوسطيّ منافس لتركيّا، هو النظام الإيرانيّ، أمكننا الإطلال على وجه آخر من وجوه المأساة الضاربة. ذاك أنّ ما كنّا نراه سمة من سمات الجماعات الأهليّة حصراً بتنا نراه واضحاً، بل فاقعاً، في الدول وسياساتها. ولئن وعدتنا ثورات «الربيع العربيّ» في مستهلّها بالانتقال من الترميز الكاذب للأنظمة، بما فيه من إحلال الزيف اللاعقلانيّ محلّ الحاجات الفعليّة في التنمية والتعليم وسواهما، فإنّ النهايات التي آلت إليها تلك الثورات لا «تعد» إلاّ بمزيد من الغرق في هذا المستنقع الهويّاتيّ القاتل.

وحتّى إشعار آخر قد يجوز القول إنّ الفارق الوحيد بين النموذج الإيرانيّ – التركيّ (على تفاوت طرفيه) والنموذج العربيّ الصاعد أنّ الأوّل لا يزال قادراً على التعايش مع جهاز دولة قويّ، فيما الثاني متحلّل من كلّ دولة. وهو فارق يُعتدّ به طبعاً في قياسات القوّة، إلاّ أنّه قد لا يصلح للإعتداد من زاوية الشياطين التي تنمو تحت أرض الشرق الأوسط برمّته.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة العمليّة «الثقافيّة» التركيّة في سوريّة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab