الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية

الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية

الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية

 السعودية اليوم -

الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية

غسان الإمام

حققت «الخلافة الداعشية»، في شهور قليلة، ما لم يحققه مشروع الوحدة العربية، منذ إلغاء مصطفى كمال (أتاتورك) الخلافة العثمانية (1924). واستدعت «داعش»، في غمضة عين، 1.5 مليار مسلم، إلى الإقامة في «ديار الإسلام» الجديدة. فقد «طهرتها» من الشيعة. والنصارى. والإيزيديين. وقطعت رؤوس الصحافيين. وذبحت الصليبيين.

نادت الدولة الداعشية بالحاكمية الإلهية. وتولت تطبيقها. ففرضت على الرعية البيعة. والطاعة. والولاء المطلق. فعم الصمت. فلا حوار. ولا مؤسسات. ولا أحزاب. فقد نفت «الخلافة» الحاجة إلى السياسة. والثقافة. والحرية.

عدلت «داعش» مناهج التربية والتعليم. ألغت تدريس العلوم الإنسانية. الرياضة. الموسيقى. أغلقت مدارس البنات. حرمت على المرأة مغادرة والمطبخ، للعمل والسفر. فشلت وعطلت نصف المجتمع. وهيأت المؤمنين لاستقبال الآخرة، برضا وفرحة، بعد كآبة الإقامة المؤقتة في هذه الدنيا.

أسقطت «داعش» الحدود الاستعمارية. أعلنت «الجهاد». فحاربت النضال. فتكت بالمسلمين المدنيين أكثر مما قتلت من الغربيين. ذبحت الجنود الأسرى. اعتقلت جميع الملل والنحل. فأثارت العالم ضدها، في الوقت غير المناسب لها. فاندلعت على أرضنا حروب الأديان والطوائف. واشتبكت الحضارات مع الثقافات.

هذه الصورة «الإيجابية» التي قدمتها عن «داعش»، ليست من عندي. فهي خلاصة مقتبسة من دعايتها الكثيفة، في الإعلام الإلكتروني، للوصول إلى قطاعات شعبية عريضة في العالم العربي، فيما معظم الصحافة العربية الورقية تئن تحت قيود رقابة تزداد صرامة وتقشفا، يوما بعد يوم.

الحديث عن حرية الصحافة الورقية يطول. وليس هو موضوعي اليوم، مكتفيا بالقول إن «داعش» لا تشكل تهديدا جديا للنظام العربي. لكنها تكسب منه حرب الدعاية الإعلامية، بتقديم معلومات وتعليقات مضللة عنه وعنها، إلى هذه القطاعات الاجتماعية التي لا تملك الوعي السياسي الكافي للفرز والتحليل.

وأضيف بأن السماح للصحافة وكتابها، بتقديم الصورة «السلبية» للدولة الداعشية، بما انطوت عليه من جهالة بالدين. ووحشية التعامل مع رعيتها. وأقلياتها، لم يعد يكفي.

لا بد من التسامح مع نشر كل «إنجازات» الدولة الداعشية، ليجري تفنيد. ونقد. ومراجعة كل «إنجاز» داعشي بالمنطق. والشرع الفقهي الديني، لمعرفة ما إذا كانت «خلافتها» ملتزمة بالمذاهب السنية الصحيحة. ثم مقارنة هذه الإنجازات، بإنجازات النظام العربي سياسيا وقوميا، منذ استقلال دولته في أربعينات وخمسينات القرن العشرين.

سياسيا، قلت وأقول إن النظام العربي ولد استقلاليا، واقتصر طموحه القومي، على تأسيس جامعة عربية لدوله، وليس وحدة أو اتحادا لمجتمعاته. ومع الوقت، تراجع الخطاب السياسي للجامعة ولمعظم الأنظمة، فبات يتحدث عن «شعوب عربية»، وليس عن «أمة عربية»، ممهدا بذلك لحالة التمزق الاجتماعي. والاقتتال الطائفي. ولظهور التنظيمات الطائفية الداعشية.

«الخلافة الداعشية» لا ترقى إلى مستوى الطموح القومي العربي. فهي تكرر خطأ الخلافة الإسلامية التاريخية (الأموية والعباسية)، فقد تسبب جمودها ولا ديمقراطيتها، بنشوب صراع مرير بين العرب والأعاجم على السلطة، وانتهى إلى إقامة إمارات ودويلات مملوكية على الأرض العربية، وكان من شأن ذلك إضعاف شعور العرب بكونهم أمة. وكاد يقضي على لغتهم. وثقافتهم. وتراثهم الأدبي، تحت الشعار الديني الذي رفعته هذه الدول الأجنبية، لحماية «شرعياتها» السلطانية.

النظام العربي ساهم مع المثقفين في استعادة اللغة، وإنقاذ التراث الثقافي والأدبي. وحال بحدوده. ودساتيره. وقوانينه، دون تذويب الهوية القومية. ولا شك أن الدولة الخليجية والمغاربية تشعر بالخطر على هذه الهوية، من تدفق بحر من الهجرات الآسيوية والأفريقية، للإقامة. والعمل. والكسب. أو للمرور إلى أوروبا وأميركا الأكثر ثراء وحرية. هذه الهجرات المستوطنة سوف تطالب غدا، بما انطوت عليه مبادئ «حقوق الإنسان» من مساواة في الحقوق مع العرب الذين باتوا أقلية في بلدانهم.

نشدان الدولة الداعشية وحدة العالم الإسلامي ضرب من العبث بالمصير! لا يمكن تحقيق وحدة إسلامية، قبل تحقيق الوحدة العربية، وإلا جرى تذويب العرب المبعثرين، في بحر سكاني أعجمي وأجنبي (1.5 مليار مسلم). ولولا الثورة المصرية التي أسقطت الدولة (الإخوانية)، لتوصل رئيسها محمد مرسي، بسذاجة دينية وسياسية، إلى تفاهم مع تركيا وإيران، لتحقيق مشروع يحاكي «الخلافة» الداعشية.

ولا تملك الخلافة الداعشية شرعية دولة الخلافة التاريخية. فقد تبنت القوة. والإكراه. والترويع، في إقامة كيانها. ولم تقدم دستورا. أو ميثاقا يبين الغرض من إقامتها. بل نشدت البيعة، لرجل مجهول الهوية، لا يصرح حتى باسمه الحقيقي. ولا يمكن التأكد من سلامة قواه العقلية. فهو يستدعي العالم الأقوى إلى تدمير العالم العربي. وقصف سكانه المدنيين جوا. وغزوه غدا برا وبحرا.

«تطهير» ديار الإسلام من أقلياتها الدينية والعنصرية يتنافى مع كبرياء الدولة الحداثية أو المعاصرة. ولا ينسجم مع نواهي الإسلام المتسامح، عن ارتكاب الجهالة الوحشية في الحروب «الجهادية». «داعش» تصبغ المجتمع العربي بالكآبة القاتمة. وتجرده من بهجة التعايش مع عرب آخرين لا يفترقون إلا بالدين. ولم يشكلوا على مدى 1500 سنة خطرا، على الإسلام والعرب المسلمين.

«داعش» التي تدعي الثأر والانتقام للسنة، تلتقي في الواقع مع إيران. وإسرائيل، في السعي لإقامة دويلات طائفية أو عنصرية في المنطقة العربية، بديلة للنظام العربي.

وهكذا، فالخلافة الداعشية لا تصلح بديلا للعروبة. أو للدولة القومية، حتى ولو حطمت الحدود الاستعمارية. فمشروعها يتجاوز الحلم الممكن (الوحدة العربية) إلى الكابوس الصعب المستحيل (الخلافة الطائفية)، في عالم تجاوز عصر الإمبراطوريات التي ضمت، في جرابها، شعوبا وأمما متناحرة، دينيا. وطائفيا. وعنصريا. وأثبتت تاريخيا أن الدين لا يكفي، وحده، للتعايش والمصالحة بينها.

لا أخشى خطر «داعش» على النظام العربي. أخشى أن تتصور الطبقة السياسية المصرية الراهنة، إمكانية استعادة نفوذ مصر ودورها العربي، عبر السعي إلى تسوية كارثية، مع النظام الطائفي السوري الذي ذبح ربع مليون إنسان عربي! أو بالسعي إلى مصالحة مع النظام الشيعي العراقي، نكاية بتلفزيون «الجزيرة». فإيران لن تسمح لهذا النظام بالانفكاك عنها.

عملت في الإعلام الخارجي المصري ثلاث عشرة سنة. وغادرته موجع القلب، مع ولادة النظام الساداتي. ما زلت عاشقا لمصر. وكادت «أخبار اليوم» تعيدني إلى حضن مصر، من خلال الكتابة فيها، قبل نشوب الانتفاضة المصرية. وأملك الجرأة لمطالبة مصر بأن تصفح عن رئيسها الأسبق حسني مبارك. فهو الذي عاد بمصر إلى العرب. وما زالت له ذكرى عسكرية مشرفة، لا تمحوها أخطاء نظامه المترهل.

 

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية الوحدة «الداعشية» والوحدة العربية



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab