في فرنسا أنا غاضب إذن أنا موجود

في فرنسا... أنا غاضب إذن أنا موجود

في فرنسا... أنا غاضب إذن أنا موجود

 السعودية اليوم -

في فرنسا أنا غاضب إذن أنا موجود

بقلم - أمير طاهري

«نحن غاضبون!»... تلك هي العبارة التي تناهت إلى مسامعي مراراً من متظاهري «السترات الصفراء» الفرنسيين، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مع اتساع رقعة المظاهرات، وارتفاع الزخم السياسي الموازي لها لأقصى حد ممكن في الآونة الأخيرة. 
ويبدو أن هذه العبارة تتناقض تماماً مع أول رأي طرحته الشهر الماضي بشأن المظاهرات الفرنسية، وأن حركة «السترات الصفراء» السترات الصفراء لا تعبر إلا عن حالة من الملل الاجتماعي السخيف، وليس الغضب السياسي الكبير.
وبعد الحديث إلى كثير من مثيري الشغب في الشوارع، وملاحظة بعض من أعمالهم المشينة، بما في ذلك حرق إطارات السيارات، وقلب السيارات المتوفقة رأساً على عقب، وتحطيم نوافذ المتاجر في الشوارع الفخمة، صرت على استعداد تام للإقرار بأن الحالة المزاجية الراهنة للاحتجاجات الفرنسية الجارية، تعكس مزيجاً غريباً من الغضب والملل في آن واحد.
وأول شيء أثار انتباهي، أنها ليست انتفاضة الجماهير الفقيرة الجائعة المشردة، على فرض جدلي بأن مثل هذه الطبقة المتواضعة من المواطنين لها وجود بالأساس، في واحدة من أكثر دول العالم ازدهاراً وثراء؛ بل كان مثيرو الشغب ممن التقينا بهم في الشوارع ينتمون للطبقة الوسطى ذات المدخول الجيد، والطبقة الأدنى من الوسطى ممن هم في عمر الشباب والفتوة. وأغلبهم يعيشون في المقاطعات الفرنسية، ولا سيما مقاطعة بريتاني ذات البلدات والقرى من الكثافة السكانية المتوسطة والمعقولة. 
وأشارت تقديرات الشرطة الفرنسية إلى أن أعداد المتظاهرين ومثيري الشغب في العاصمة باريس و12 مدينة أخرى، لا تتجاوز 50 ألفاً إجمالاً. وهو رقم منخفض للغاية عند مقارنته بما كانت عليه الأوضاع قبل 9 أسابيع مضت، مع بدء اشتعال الاحتجاجات في البلاد. ولكن ما الذي يريدونه بالفعل؟
يصعب كثيراً الوقوف على إجابة محددة لهذا السؤال. وحيث إن الاحتجاجات الراهنة تفتقر إلى وجود بنية قيادية واضحة، وليس هناك متحدث رسمي واحد باسم حركة السترات الصفراء، فلا بد للمرء من أن يتعقب آثار الأدلة السردية المتاحة على الملأ.
تتضمن مذكرتي الخاصة لتلك الأحداث بعضاً من مطالب تلك الحركة التي تدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تقديم «إجابات حقيقية عن أسئلتنا»، ثم مطالبته بالاستقالة من منصبه. كما أنهم يطالبون بأن يجري اتخاذ القرار بشأن المسائل ذات الأهمية العامة من خلال الاستفتاء الشعبي، أو ما يروق للبعض تسميته «الديمقراطية المباشرة»، مما يجعل الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) منبتة الصلة بالواقع العام في البلاد. أما بالنسبة إلى مجلس الشيوخ الفرنسي، فقد استمعنا لدعوات بإلغائه تماماً من هيكل الجمعية الوطنية.
ومن المطالب الأخرى المطروحة: إرساء آليات تسمح للمواطنين بحق إقالة وزراء الحكومة وأعضاء الجمعية الوطنية، وفق رفع التماسات بذلك الشأن في أي وقت يريدون، ومن دون انتظار الانتخابات.
وهناك مطلب آخر يتمثل في إنشاء ما يسمى «دخل الإعاشة» بقيمة لا تقل عن 1700 يورو على أساس شهري، مما يعني رفع الحد الأدنى الحالي للأجور الفرنسية بمقدار 300 يورو دفعة واحدة.
وبعد ذلك، لدينا «أنصار القضية الواحدة»، بمن في ذلك أولئك المعارضون لزواج المثليين، وأولئك الذين يرغبون في إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وأولئك الذين يرغبون في حظر كافة أشكال المهاجرين من دخول البلاد. والبعض - وإن كانوا بأعداد أقل - يصفون أنفسهم بأنصار «الفريكست»، أو مغادرة الدولة الفرنسية لعضوية الاتحاد الأوروبي، على غرار المملكة المتحدة. ومما يؤسف له، أن الرئيس ماكرون، الذي هو حديث العهد بعالم السياسة ودهاليزه، والذي يحب التعامل مع التكنوقراط، والذي يعتبر السياسة عائقاً من العوائق، ربما قد وقع في الفخ المنصوب له بإحكام. فنراه يحاول إدارة اللعبة الراهنة بأسلوب سياسات الشوارع، من خلال الشعار الرنان القائل: «الحوار الوطني الكبير» خارج إطار المؤسسات الرسمية في الجمهورية الفرنسية.
وربما يكون ازدراء السياسة ومقت الساسة من التوجهات السائدة في الآونة الراهنة. ولكنه توجه لا يفضي أبداً إلى المسار السليم. ويجب ألا ينخدع المرء بأكذوبة شعار «الشعبوية» الممنوح في غالب الأحيان لحفنة صغيرة من الجماعات الصاخبة من البورجوازيين الغارقين في الملل و/ أو الغضب، ومن يتبعهم من اللصوص والمخربين ومثيري الشغب في كل مكان. ففي فرنسا الحديثة، كانت تيمة «الغضب الشعبي» أقدم من الجمهورية الفرنسية ذاتها.
والزعم بأن هناك «معاناة فرنسية شعبية» حقيقية وخفية، والتي نيابة عنها، يمكن لأحدهم تقويض أركان الديمقراطية، إن لم يكن العصف التام بها، ليس بالزعم الجديد على الحياة الفرنسية.
فلقد زعم الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران من قبل، أنه جاء متحدثا عن «المُهمَلين» من أبناء الشعب الفرنسي. ونذكر جاك شيراك الذي تعهد بجبر «الصدع» الاجتماعي الفرنسي العميق. ووصف نيكولا ساركوزي نفسه بأنه زعيم «الأغلبية الصامتة» من الفرنسيين. ولا ننسى فرنسوا هولاند الذي قال عن نفسه إنه «رئيس عادي» جاء ممثلاً عن «المُتجاهَلين» من الشعب الفرنسي.
وحتى إن تمكنت حركة «السترات الصفراء» من تشكيل حزب سياسي يمثلها، فليست هناك ضمانات أن ينجح مزيجهم السخيف من الملل والغضب البورجوازي، فيما أخفق فيه حزب سيريزا الشعبوي في اليونان، أو حزب بوديموس القومي في إسبانيا، وحفنة أخرى من الجماعات السياسية الشعبوية المماثلة في غير بلد من البلدان الديمقراطية الأوروبية الأخرى. 
يكمن جمال الرأسمالية في مقدرتها على إدرار الأموال من أي موقف كان. فقد كان أحد المتاجر القريبة من مسرح الأحداث في الشارع الفرنسي الشهير، يبيع نسخة حديثة التصميم من السترات الصفراء بسعر يبلغ 125 يورو للقطعة الواحدة، مقارنة بسعر 20 يورو فقط للقطعة الأصلية العادية. ونفد كل ما لدى المتجر من منتجات حتى الآن، وصرنا نتوقع وصول مزيد بحلول يوم السبت القادم!
وفوجئنا أيضاً بصدور كتاب جديد يحمل عنوان «السماء الفرنسية الصفراء» من تأليف إحدى المراسلات، التي لا بد أنها أسرع النساء كتابة على قيد الحياة في فرنسا، كي تُصدر كتاباً عن الأحداث وأعمال الشغب والمظاهرات، التي بدأت قبل خمسة أسابيع فحسب، ولا تزال مستمرة، قبل أن تحاول تلك السيدة الوصول إلى لوحة المفاتيح في حاسوبها الشخصي!
كان المطعم الذي قصدناه مليئاً بالضيوف، ولكننا نجحنا في العثور على مائدة في مطعم صغير مجاور. ولاحظنا أن هناك كثيرين من أصحاب السترات الصفراء المنهكين يتناولون غداءهم هناك، استعداداً للمواجهة الكبيرة مع شرطة مكافحة الشغب الفرنسية، والمقرر اندلاعها في تمام الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم في ساحة قوس النصر.
ومن ثم، توجهنا بسؤال لسيدة تحتل المنضدة المجاورة لنا: ما الذي تنصحنا بتناوله من قائمة المطعم لذلك اليوم «المشهود»؟ فاقترحت علينا تناول طبق نقانق جبن الأليغو الفرنسي المذاب مع البطاطا المهروسة. وجبن الأليغو الفرنسي مشهور بلونه «الأصفر» الزاهي!
ولقد أخذنا بنصيحتها، وكان طبقاً لذيذاً أضفى على أمسيتنا قدراً من السرور والسعادة، مما يؤكد أن أصحاب السترات الصفراء قد تكون بحوزتهم أفكار جيدة للغاية، فقط، إن أدركوا ما الذي يريدونه وما الذي يتحدثون عنه حقاً.
والمشكلة أنهم في غالب الأمر لا يفعلون ذلك!

 

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في فرنسا أنا غاضب إذن أنا موجود في فرنسا أنا غاضب إذن أنا موجود



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة

GMT 18:25 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

معين شريف يهاجم راغب علامة عبر قناة "الجديد"

GMT 04:58 2012 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

سلوى خطاب بائعة شاي في"إكرام ميت"

GMT 03:32 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

جيسيكا هيلز ستعتزل في 2017 لتتفرَّغ لإنجاب طفل آخر

GMT 11:22 2012 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل سرية تنشر للمرة الأولى بشأن اغتيال الشيخ أحمد ياسين

GMT 15:55 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي علی غزة إلى 24448 شهيدًا

GMT 17:10 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مواطنة من فئة الصم تحصل على درجة الماجستير من أمريكا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab