بقلم : جهاد الخازن
في مثل هذا اليوم قبل 50 سنة، اغتيلَ الأستاذ كامل مروة، مؤسس «الحياة» ورئيس تحريرها، في مكتبه في بيروت.
كنت شاهداً على الاغتيال مع الزملاء عرفان نظام الدين ومحمد الملاح وآخرين، وللمرة الوحيدة في حياتي غلبني الخوف وشعرت بماء بارد في ظهري وأنا أرى الأستاذ ملقى على الأرض في مكتبه وبقعة مستديرة حمراء من دمه على صدره، فقد أصيب برصاصة في قلبه.
الجريمة خطط لها ناصريون، ونفذها عدنان سلطاني الذي عمِلَ ساعياً في بنك انترا وحمل للأستاذ كامل دعايات مرة بعد مرة حتى كسب ثقة الحراس والموظفين الآخرين. إلا أنه في ذلك اليوم المشهود، يوم الإثنين 16/5/1966، فتح حقيبة صغيرة يحملها ولم يُخرِج إعلاناً كعادته، وإنما مسدساً مزوداً بكاتمٍ للصوت. الأستاذ كامل رماه بالهاتف وكُسِر زجاج على شرفة المكتب، فكان الصوت الذي سمعناه جميعاً.
في تلك الأيام كنت طالباً في الجامعة، وأعمل مديراً للتحرير يوم الأحد فقط للحصول على «مصروف الجيب». كان المسؤول عن التحرير في «الديلي ستار» الأخ جورج حشمة، وكان عنده التزام يوم الإثنين فطلب مني أن أنوب عنه وفعلت.
عندما سمعنا الصوت جاءني محرر معنا هو بول مارتن، وقال لي أن أنزل الى الطابق تحتنا حيث مكاتب «الحياة» لأرى ما حدث. قلت له إنني سأفعل بعد قليل، إلا أن إحساسه بالخطر غلبه وعاد يطلب مني أن أنزل. فعلتُ ووجدت زملاء من «الحياة» ومن المطبعة والأخ محمد الملاح، مدير الإنتاج في «الديلي ستار» يقفون في ردهة بين مكتب الأستاذ كامل ومكاتب التحرير حيارى. كان عامل الهاتف محمود الأروادي جزءاً من المؤامرة واختفى.
قلنا للأخ محمد أن يفتح الباب على الأستاذ. هو تردَّد ثم فتح الباب، ورأيت للمرة الأولى في حياتي جريمة قتل، فقفزتُ باتجاه المصاعد ثم عدتُ ووقفت مع الأخ عرفان نظام الدين والآخرين لا نعرف ما نفعل. محمد الملاح حمل جثة كامل مروة الى سيارة إسعاف، ورجل في الطريق رأى القاتل يهرب فركض وراءه، وأوقفتهما سيارة شرطة عادت بهما الى مكاتب «الحياة» بعد أن تلقت أمراً بالذهاب إلينا لوجود «مشكلة».
عندما رأى الحراس القاتل، قالوا للشرطة أنه هو الذي قتل الأستاذ كامل مروة فاعتُقِلَ وحُكِم عليه بالإعدام، والحكم خفِّض الى المؤبد. هو خرج من السجن خلال الحرب الأهلية، وأرسل إليّ رسالة يهددني فيها، وكتبت عنها في هذه الزاوية بعد أن عادت «الحياة» الى الصدور من لندن ورددتُ عليه في هذه الزاوية بأقسى كلام. القاتل توفي سنة 2001.
الأستاذ كامل مروة كان صحافياً محترفاً، هادئ الطبع فلا أذكر أنني رأيته يثور أو يفقد أعصابه يوماً. كنت أذهب اليه وأسأله إذا كانت عنده أخبار مهمة للترجمة الى الإنكليزية والنشر في «الديلي ستار» التي أصبحتُ رئيس تحريرها بعد سنتين من وفاته.
قرينته السيدة سلمى مروة وصلت الى مكاتب «الحياة» من بيت الأسرة بعد حوالى ساعة من الاغتيال، ونزلتُ لأستقبلها، وكنا نصعد فوجدنا «الخال»، أو خال كامل مروة، يبكي على الدرج. هي انتهرته قائلة: قوم، ما عنّا رجال تبكي. كانت سيدة فاضلة رحمها الله ورحمنا.
وعشتُ لأرى «الحياة» تعود الى الصدور بجهد الأمير خالد بن سلطان، وعملت رئيس تحريرها عشر سنوات قبل أن أتوقف لأتفرغ لمقالي اليومي، وتبعني الزميلان جورج سمعان، ثم غسّان شربل، فأزعم أن «الحياة» حافظت على إرثها القديم من الموضوعية والمهنية.