أخبار الموت في بلادنا أو فراراً منها تجعلني أتردد في كتابة مقال خفيف، وعندي منها مجموعة تنتظر أياماً أفضل. أختار اليوم بعيداً من هذا وذاك شيئاً في اللغة وجدته بين أوراقي.
قلت يوماً لجدّي، وكان مدير مدرسة ثانوية، أنني أجد صعوبة في فهم استعمال كلمة حتى. ردَّ عليّ أن حتى «حـَتـْحَتـَت» قلوب العلماء، ولم أجد هذه الكلمة في قاموس، وإنما قدّرت أن معناها العامي أن العلماء وجدوا صعوبة في فهمها.
- حتى حرف جر كما في القرآن الكريم: سلامٌ هي حتى مطلع الفجر.
- هي أيضاً بمعنى إلى كما في القول: سهروا حتى الفجر.
- وتأتي ظرفية: ما دخلت حتى استقبلني الإخوان بالترحاب.
- وهي أيضاً حرف عطف: انهمر المطر فدخل الناس حتى الأطفال.
- وهي ناصبةٌ كما في القول: هاجر إلى كندا حتى يجمع مالاً.
- وهي موجودة بمعنى وإن، مثل: لن أكلمه حتى لو اعتذر.
ثمة أوجه استعمال أخرى لها وأكتفي بما سبق حتى لا يضيع القارئ كما ضعت أنا.
في «كتاب الأسلوب» الذي ساعدني زملاء في جمع مادته ليستفيد منه الزملاء المحررون قلت عن النسبة: القاعدة العامة هي في ردّ الكلمة إلى المفرد ثم صوغ النسبة، لذلك كانت طالبي أصحّ من طلابي، وصحافي أصح من صُحُفي ويُستثنى من ذلك اسم الجمع مثل قوم وعرب. هناك استثناءات فنحن نقول عن شيء أنه «ملوكي» بمعنى أنه يليق بالملوك. ولكن سرني كثيراً أن أجد أن ابن مالك سبقني في ألفيته، فهو يقول: والواحد اذكر ناسباً للجمع/ إن لم يشابه واحداً في الوضع.
تعلمتُ كيف أصيغ النسبة، ولم أهتم كثيراً بكلمة «حتى»، فقد وجدت معناها واضحاً من موقعها في الجملة، لكن «قضى» قضت عليّ، ووجدت في «لسان العرب» لابن منظور:
- قضى نحبه، أي مات، والقاضية هي المنيّة.
- قضّاه معناها جعله قاضياً.
- القضايا الأحكام ومنها قاضٍ. وقضى تعني أنه حكَم وفصَل. وفي القرآن الكريم «فلما قضينا عليه الموت» أي أتممنا عليه الموت.
- ويتبع ما سبق: قضى بسجنه، أي حكم عليه بالسجن.
- قد نقول عن رجل أنه قضى الأمر بمعنى أنه أدّاه أو أكمله.
- وهناك القضاء والقدر.
- قضى على عدوه معناها قتله.
- قضى على الأخضر واليابس، بمعنى لم يبقِ منه شيئاً.
- أقضَّ مضجعه، أي أصابه بأرق.
وثمة معانٍ كثيرة أخرى لكلمات مشتقة من قضى منها ما له علاقة بالزبيب وبالدرع، وتقضّى البازي، أي انقضّ.
أبو تمام له قصيدة مشهورة مطلعها: ما في وقوفك ساعة من باس/ تقضي ذمام الأربع الأدراس. تقضي هنا بمعنى تؤدي، وأجمل من ذلك قول كثير:
قضى كل ذي دين فوفّى غريمه/ وعزّة ممطول معنّى غريمها. ويقال أن عزة سُئِلت عن ذلك الدين، فقالت أنها وعدت كثيراً بقبلة ولم تعطه إياها. قالت السائلة: أعطها وعليّ إثمها.
ماذا أقول والقارئ؟ نقول مع الشاعر: الدون لا نرضى به/ والعال لا يرضى بنا، أو ما يسهل فهمه هذه الأيام: نارة يا ولد.