أتابع السياسة الأميركية منذ رئاسة جون كنيدي، وأنا أودع المراهقة وأدخل الجامعة، ولا أذكر إطلاقاً أن أي رئيس أميركي وظف مساعدين ثم استغنى عنهم، أو استقالوا، كما يحدث الآن في ولاية دونالد ترامب، تحديداً في أول سبعة أشهر له في البيت الأبيض.
الجنرال مايكل فلين استقال من عمله مستشاراً للأمن القومي في 13 شباط (فبراير) بعد أن تبين أنه ضلّل الرئيس في موضوع علاقته مع روسيا وعمله لها. هو بقي في البيت الأبيض 23 يوماً فقط.
الرئيس ترامب طرد رئيس مكتب التحقيق الفيديرالي (أف بي آي) جيمس كومي في 9 أيار (مايو) بعد إصرار كومي على متابعة علاقة ترامب مع الروس وعملهم ليفوز بالرئاسة.
أنطوني سكاراموتشي طُرِد بعد عشرة أيام من تعيينه مديراً للاتصالات في البيت الأبيض، والسبب المعلن هجومه اللاذع على مساعدي الرئيس رينس بريبوس وستيف بانون. أرجح أن السبب الأهم للاستغناء عنه هو اكتشاف ترامب أن سكاراموتشي أيّد هيلاري كلينتون للرئاسة.
شون سبايسر، الناطق الصحافي، استقال في 21 من الشهر الماضي، بعد فضيحة سكاراموتشي. هو تعرض لانتقاد الميديا يوماً بعد يوم، وهو يحاول أن يبرر، أو يفسر، تصريحات ترامب التي لا تصدر حتى تُصحح، أو تُعدّل، وربما ينكر الإدلاء بها.
رئيس موظفي البيت الأبيض رينس بريبوس استقال في 17 تموز (يوليو) والسبب المعلَن، أو المتداوَل، حملة سكاراموتشي عليه. السبب الآخر أن أعداءه في البيت الأبيض تآمروا عليه.
وكنت كتبت قبل أيام عن استقالة ستيف بانون، المساعد الإستراتيجي للرئيس ومدير حملته الانتخابية. بانون كان مدير موقع «برايبارت» الإلكتروني ويؤيد الرئيس ولا أعرف كيف وصل الى واحد من أعلى المراكز حول الرئيس. أيضاً هو سقط نتيجة مؤامرات موظفين آخرين عليه. سقوطه يعني زيادة نفوذ مبعوث الرئيس للسلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، زوج بنت الرئيس التي اعتنقت اليهودية من أجله، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني غاري كوهن، وهو في الأصل ليس من أنصار الحزب الجمهوري.
أكتب بعد بضعة أيام على استقالة سباستيان غوركا، وهو من مساعدي الرئيس في جهاز الأمن القومي. لعله أرغِم على الاستقالة فهو هاجم في شكل حاد بعد ترك البيت الأبيض أعداءه من موظفي الرئيس الآخرين.
كل ما سبق تبعه إصدار الرئيس ترامب عفواً عن مدير شرطة في أريزونا اسمه جو أربايو، وكان سُجِن بعد رفض أمر قضائي بعدم سجن مهاجرين أو لاجئين لم يرتكبوا أي جريمة ولم يواجهوا أي تهم من القضاء. الرئيس قال في العفو عن أربايو إن عمره 85 سنة وإنه قضى 50 سنة في العمل المنتج المفيد. أربايو شكر الرئيس وقال إن سجنه أمر به فلول باراك أوباما في وزارة العدل.
لا أستطيع في عجالة صحافية أن أعرض على القارىء كل موقف للرئيس تراجع عنه فأكتفي اليوم بسياسته إزاء أفغانستان. كان ترامب خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه قال إنه يفضّل الانسحاب من أفغانستان، إلا أنه تراجع، كالعادة، هذا الشهر عن موقفه المعلن وخضع لنصح الجنرالات، فأعلن أنه سيرسل ألوف الجنود الأميركيين لمساعدة القوات الأفغانية في حربها على «طالبان».
قرأت تعليقات في الميديا الأميركية تقول إن ترامب يحلم، أو يهذي، لأنه لن يربح الحرب في أفغانستان. وكان هناك الذي قال إن الوجود الأميركي سيكون تكراراً للوجود السابق والنتائج المعروفة، فالأميركيون لن يربحوا الحرب في أفغانستان.
لعل أفضل ما قرأت أن ترامب لا يريد الفوز بالحرب وإنما يريد أن يمنع الخسارة هناك. هذا معقول لكن ترامب غير ذلك.
المصدر : صحيفة الحياة