بقلم - مأمون فندي
ما هو الطرحُ العربيُّ البديلُ لما سمَّاه الرئيسُ الأميركي دونالد ترمب «صفقة القرن» التي عرضَها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ ولا يكونُ عندك شكٌّ في أنَّها صفقة بين ترمب ونتنياهو، إذ لم يكن هناك طرف ثالث... هذا ما رأيناه أمام عدسات التلفزة، وبالطبع هناك طرف ثالث مضمر وغائب، ضمير مستتر تقديره الفلسطينيون. «صفقة القرن» التي رأيناها بين ترمب ونتنياهو لم يكن الفلسطينيون طرفاً فيها، إذ بدت في أحسن أحوالها كوعد ترمب على غرار وعد بلفور بضم مزيد من الأراضي الفلسطينية والسورية لإسرائيل. ويسأل البعض في منطقتنا وفي بقية العالم، إذا كان هذا عرض ترمب ونتنياهو معاً كطرف، للفلسطينيين كطرف غير موجود، ولكنه المعني الأول بالصفقة، فما العرض الفلسطيني البديل؟ أم هو مجرد رفض والسلام؟
بالطبع البديل العربي لـ«صفقة ترمب» ونتنياهو كطرف، والفلسطينيين كطرف مقابل هو مبادرة السلام العربية، ومعها مجموعة قرارات الأمم المتحدة التي تمثل الشرعية الدولية والإطار القانوني الحاكم كحل الدولتين.
ولكن ليس هذا هو البديل الذي أطرحه، فالبديل بالنسبة لي هو إف دبليو دكليرك، إذا امتلك نتنياهو الشجاعة في التخلي عن سياسة الفصل العنصري التي تتبناها إسرائيل ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال. إف دبليو دكليرك تفاوض مع نيلسون مانديلا وحزبه المسمى المؤتمر القومي الأفريقي، والموازي له في الحالة الفلسطينية هو منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وقد اعترف رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين بذلك، وعليه جاء اتفاق أوسلو الذي كان يحمل بشكل مضمر النموذج الجنوب أفريقي بين طياته إلا قليلاً.
الفارق بين نتنياهو وإف دبليو دكليرك، رئيس جنوب أفريقيا عشية إنهاء نظام الفصل العنصري، أن دكليرك أعلن أيضاً أنه سيفكك البرنامج النووي لدولة جنوب أفريقيا كبادرة سلام تحمل رسائل داخلية وخارجية، فهل يستطيع نتنياهو أن يعلن تفكيك برنامج إسرائيل النووي والتخلص من المخزون الاستراتيجي النووي لإسرائيل؟ هذه بادرة حسن النية من قبل إسرائيل تجاه العالم العربي كله وليس تجاه الفلسطينيين وحدهم.
نتنياهو لن يقدر على هذا الفعل الشجاع، نتنياهو يريد سلاماً مع جوار عربي أضعف، ويريد أن تبقى إسرائيل دولة نووية تفرض التطبيع وفق شروط القوة لا شروط السلام.
نحن كعرب يجب ألا نتخلَّى عن وصف النظام في إسرائيل بأنه لا يختلف عن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. يجب الترويج لهذا عالمياً. طبعاً هناك في الغرب سيف معاداة السامية المرفوع في وجه أي حملة مضادة لسياسة الفصل العنصري في إسرائيل. ولكن كما نجحت جنوب أفريقيا من خلال تكتلات السود الموجودين في الخارج قد ينجح الفلسطينيون. في الحقيقة أن عدد الفلسطينيين في الخارج يقرب من ستة ملايين وهم أضعاف أضعاف الأفارقة الجنوبيين في الخارج في فترة النضال ضد النظام العنصري، وأدعي أن الفلسطينيين أكثر تعليماً وأكثر ثراءً.
يستطيع كل فلسطيني أن يكون سفيراً لقضيته وبذلك يتحرك العالم. إن إسرائيل هي دولة الاحتلال العنصري الوحيدة المتبقية في هذا العالم.
ولكن هذا يتطلَّبُ أنْ نتمثل نموذج جنوب أفريقيا ونحن نكافح ضد نظام عنصري، وأول ملامح المقاومة في جنوب أفريقيا هو توحيد الجبهة الداخلية للسود تحت مظلة المؤتمر الوطني الأفريقي، وهذا يفرض في حالة فلسطين صورة إنهاء الانقسام بين «فتح» و«حماس» وتقديم وجه واحد ومركز واحد لفلسطين أمام العالم.
في السابق، كانت كوفية عرفات ولباسه يمثلان رمزية الشخصية الفلسطينية، ولكن لا تستطيع اليوم أن تقول بالصورة من هو الفلسطيني وكيف يختلف عن الأردني أو المصري.
بعد توحيد الجبهة الداخلية لا بد من حملة عالمية ينسق فيها الفلسطينيون مع كل الدول العربية. وفي هذه الأيام، يبدو التنسيق بين العرب في تحركاتهم الخارجية لخدمة القضية الفلسطينية وفضح النظام الإسرائيلي عالمياً، تنسيقاً في أدنى مستوياته أو غير موجود. إن فضح عنصرية الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي ضرورة قصوى. وهي البداية.
إنَّ «صفقة القرن» البديلة تتلخص في ثلاث نقاط أساسية: أولاً - أن يعلن نتنياهو التخلي عن ترسانة إسرائيل النووية كبادرة سلام تجاه العالم العربي، أما ثانياً - فهي أنْ تفككَ إسرائيل نظام الفصل العنصري تجاه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، أما النقطة الثالثة والأخيرة فهي القبول بالمبادرة العربية ومعها القرارات الأممية المتعلقة بحل الدولتين كأساس للحل. غير ذلك هي مجرد مماطلات وتضييع لوقت الجميع.