الإرهاب في سيناء عنوان كاذب

الإرهاب في سيناء عنوان كاذب

الإرهاب في سيناء عنوان كاذب

 السعودية اليوم -

الإرهاب في سيناء عنوان كاذب

بقلم : مأمون فندي

استمراراً لمقالي في الأسبوع الماضي عن سيناء، أدعي في هذا المقال أن حديث الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط عموماً، ومصر خصوصاً، بما في ذلك سيناء كان ولا يزال كارثة على العلوم الاجتماعية، وتراكم المعرفة عن المجتمعات وقضاياها الحقيقية على الأرض أدى إلى تسمم ماء بئر المعرفة، ولا يساعدنا على التوصل إلى حلول ناجعة. لافتة الإرهاب اليوم أصبحت عنواناً يخفي تحته واقعاً سياسياً واجتماعياً أليماً ومعقداً، يحتاج إلى دراسات جادة لا إلى كتابات المكاتب وأحاديث الشاشات ووسائل التواصل. أصبح عنوان الإرهاب وسيلة للهروب من الدراسات الميدانية. لا أدعي هنا أن الإرهاب غير موجود، لكنه أحد تجليات القضايا الأعمق في المجتمعات. ولتوضيح الفكرة سأركز على حالتين: الحالة المصرية والحالة الإسرائيلية، ثم أضيف إليهما الحالة العراقية فيما يسمى في العلوم الاجتماعية «حالة الضبط» (control case).

أعرف أن هذا الطرح يجلب على الإنسان من التخوين ما يكفي، ولكن المقال سيبقى محل جدل لسنوات، ذلك لأن معظمنا يدرك أن جزءاً كبيراً من حديث الإرهاب مبالغ فيه لا بد أن يواجه بالمعرفة يوماً ما.

كان العرب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ينظرون إلى الإرهاب، نظرة أخرى غير التي نراها الآن. إلى أن أصبح الإرهاب ظاهرة، واستخدمت بعض الحكومات خصوصاً في مصر مبارك ذات اليافطة لتغطية فشل سياساتها المحلية. فبدلاً من تنمية الصعيد المصري (المنطقة ما بين أهرامات الجيزة وأسوان) أغرقنا نظام مبارك في حديث عن إرهاب الجماعات الإسلامية. ودخل الباحثون والكتاب في دراسات آيديولوجيا الجماعة الإسلامية. فبدلاً من البحث الاجتماعي الميداني على الأرض لمعرفة محركات العنف في الصعيد استسهل الجميع الجلوس في المكاتب وقراءة الكتب وتحليل الآيديولوجيات. وسؤالي لهؤلاء: إذا كان الموضوع هو كذلك، فلماذا كان العنف في الصعيد وليس في الدلتا أو مناطق الشمال، ألم يكن أهل الشمال بمسلمين؟

أما سيناء فكما ذكرت في المقال السابق فهي موضوع مركب آخره الإرهاب. كثير من المصريين خصوصاً من يتعرضون للحديث عن ظاهرة الإرهاب في سيناء لا يعرفون تفاصيل تلك المنطقة الشاسعة من أرض مصر التي تبلغ مساحتها 60 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة وادي النيل والدلتا معاً، ويسكنها قرابة مليون نسمة وقليل، معظمهم من 26 قبيلة من بدو سيناء.
بعد الانسحاب الإسرائيلي التدريجي من سيناء منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وحتى الآن ازدهرت في سيناء أنشطة، كلها أخذت طريقها إلى عالم الجريمة المنظمة من مافيا زراعة الأفيون في سانت كاترين، إلى تهريب البضائع والبشر والسلاح من وإلى إسرائيل من قبل قبائل الشمال، وعلى رأسهم قبيلة معروفة لا أريد أن أذكر اسمها وينتمي بعض أفرادها إلى تنظيمات إسلامية مثل «جماعة بيت المقدس» التي في غالبيتها من هذه القبيلة، ولا تدري هل هي فعلاً آيديولوجيا إسلامية أم غطاء للعالم السري لاقتصاد التهريب والجريمة المنظمة أم أنها خليط من هذا وذاك. قضية مهمة أيضاً يغفلها الجميع في سيناء وهي تهريب الآثار المصرية، ففي سيناء مئات المواقع الأثرية، منها المكتشف وغير المكتشف، أشهرها سرابيط الخادم. اختلاط عالم السياحة في الجنوب بعالم المخدرات وتهريب الآثار وعلاقة قبائل البدو بذلك أنتج اقتصاداً سياسياً خاصاً بشبه جزيرة سيناء. يافطة الإرهاب هي بمثابة نظارة سوداء تعمي أعيننا عن رؤية ديناميكيات هذا الاقتصاد السري ومعاركه الطاحنة على المال والسلطة.

أدعي أيضاً هنا القول بأن الدراسات الأنثروبولوجية الإسرائيلية عن البدو أفضل رغم أنها تبقى سطحية وملونة برؤية المحتل إلى أهل البلاد الأصليين.

الإرهاب في سيناء هو غطاء لأمرين: الجريمة المنظمة من ناحية، والثانية تدخل في إطار المظلومية. وهنا أقول ليس مفيداً الحديث عن الإرهاب بهذه الهيستيريا التي تسمح لكل من لا يعرف بالحديث عن كل شيء وأي شيء في العالم العربي ومصر ما دام يعرف ثلاث عبارات «تنظيم داعش» و«تنظيم القاعدة» و«الإسلام السياسي» والباقي أي حشو والسلام.
الإرهاب في العراق أيضا يافطة تخفي صراعاً بين العرب السنة وقبائلهم وبين الشيعة، بين أناس يَرَوْن أنهم امتداد للعالم العربي ومجموعات ترى أنها امتداد لإيران، هذا بشكل مبسط. ما لم تتم مواجهة ما تحت غطاء الإرهاب من مشكلات حقيقية تبقى تجليات هذه الصراعات تنعكس في الأعمال الإرهابية.

سيناء ليست مختلفة كثيراً، ولكن مشكلة سيناء هي القطيعة المعرفية، فلا يجب أن نتوقع من ضابط في الجيش أو في الشرطة المصرية أن يكون باحثاً أنثروبولوجياً أو إثنوغرافياً أو متخصصاً في علم الجريمة المنظمة. فهذا الضابط الموجود في جزء من شمال سيناء غير ملم بتفاصيل سيناء مجملة وغير ملم بشبكات القبائل.

أتيحت لي معرفة سيناء من خلال الطيران فوق كل سيناء لمدة عام كامل، كل يوم ثلاثاء، وتفتيش على الأرض كل يوم خميس في القطاع الجنوبي والشمالي والأوسط، وكان معنا ضباط عاملون بالجيش يعملون مع القوات المتعددة الجنسيات وملمون بتفاصيل سيناء. وإذا أراد الرئيس عبد الفتاح السيسي وضع حد لهذه المشكلة يمكنه الاستعانة ببعض من الضباط أعرف قدراتهم عن كثب، ولا أذكر هنا إلا أسماءهم الأولى؛ كان هناك النقيب جعفر الذي ربما هو لواء الآن، كان مثالاً للضابط المحترف في ثمانينات القرن الماضي، ربما عمره الآن في أوائل الستينات، وكان يتحدث العبرية، وكان ملماً بثقافة الإسرائيليين والبدو في الوقت ذاته. والنقيب عبد المنعم والنقيب أحمد الشيخ، وهما في السن ذاتها تقريباً، لم يكونا أقل كفاءة من جعفر. كانوا برتبة نقيب في أوائل الثمانينات ربما الآن لواءات.

كان هؤلاء الضباط يعرفون الإسرائيليين وأهل سيناء والأرض والقبائل، وأتاحت لهم تجربة جهاز الاتصال وعملهم مع قوات حفظ السلام في سيناء في رحلات الاستطلاع من الجو والتفتيش على الأرض معرفة ثرية بالمنطقة. أنا متأكد أن هناك أمثالهم كثيرين ممن يمكن أن يديروا سيناء بجدارة داخل القوات المسلحة. هؤلاء من يصلحون، ليصبح أي منهم محافظاً لأي منطقة في سيناء، ولكن لكي تكون محافظاً لشمال سيناء أو جنوبها لا تكون المعرفة هي الشرط الأساسي. الأساس هو العلاقات وليست الكفاءة. كنت أستغرب من هؤلاء النقباء عندما يمر أحد من أهالي رفح فلسطين من معبر رفح، فيقولون هذا من عائلة فلان ويعملون في تهريب كذا أو كذا من إسرائيل أو إلى إسرائيل. معرفة دقيقة يفتشون البعض ويتركون البعض، ومن يفتشونه دائماً كان يخفي شيئاً. ذكاء ناتج من خبرة. إذا أراد الرئيس السيسي ضبط الوضع في سيناء فهو يحتاج إلى خبرة مثل خبرة هؤلاء الضباط.

الإرهاب في سيناء ليس إرهاب تنظيم الدولة كما يدعي البعض. الإرهاب في سيناء معقد، ولكي تعرفه تجنب مشاهدة التلفزيونات وتحليلات من لم تطأ أقدامهم سيناء أو زاروا فقط جزءاً منها في الشمال أو الجنوب. سيناء مشكلة لن تضيق بل ستتسع نتيجة للمتاجرة بالجهل من على شاشات التلفزيونات كبديل لأي معرفة حقيقية عن واقع معقد. وإذا كان أهل الشمال فشلوا في معرفة مشكلة الصعيد في التسعينات وهم داخل الوادي الضيق ذاته فكيف سيعرفون بدو سيناء؟ الإرهاب في سيناء يافطة مزورة لأمور حقيقية على الأرض، لا يستطيع الجيش أو الشرطة وحدهما علاجها خصوصاً في أجواء يستهوي الجهل فيها الناس وتهفو القلوب للفالصو بديلاً من المعرفة.

arabstoday

GMT 15:56 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

هل شفي الغرب من معاداة السامية؟

GMT 17:14 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل... الإبادة الجماعية ومحكمة العدل

GMT 11:07 2024 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أميركا وسياسة الموظفين

GMT 16:08 2023 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

17 أكتوبر والحزام العالمي للإبادة الجماعية

GMT 17:42 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين: بين إدارة الصِّراع وحل الصِّراع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب في سيناء عنوان كاذب الإرهاب في سيناء عنوان كاذب



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 17:04 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الدلو الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 16:31 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج العذراء الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 15:06 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالة رائعة لسارة سلامة في جلسة تصوير جديدة

GMT 09:43 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

كاريلو يكشف عن كواليس البقاء مع "الهلال"

GMT 03:32 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

مروان الشوربجي يودع ربع نهائي بطولة قطر للاسكواش

GMT 10:08 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

اتحاد جدة ينهيء الشعب المصري بالصعود إلى كأس العالم

GMT 13:33 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عساف يغني في 5 مدن كندية دعماً لأطفال فلسطين

GMT 11:59 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 18:43 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

طريقة ترتيب السفرة في الدعوات الرسمية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab