مصر والـ«نيويورك تايمز»

مصر والـ«نيويورك تايمز»

مصر والـ«نيويورك تايمز»

 السعودية اليوم -

مصر والـ«نيويورك تايمز»

مأمون فندي

الرأي الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» يوم 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 بخصوص ربط المساعدات الأميركية لمصر بالتقدم في المسار الديمقراطي، رأي خطير لا بد أن نتوقف عنده كثيرا ولا بد للمسؤولين في القاهرة أن يأخذوه بجدية؛ إذ لا يكفي أن نقول إنه «رأي متحيز ضد مصر»، أو إن «(نيويورك تايمز) هي صحيفة اليهود»، إلى آخر تلك التعازي للنفس التي اعتدناها لتبرير عجزنا في توصيل فكرتنا للغرب عموما، ولأميركا خصوصا.

رأي الـ«نيويورك تايمز» هذا ليس رأي كاتب واحد فيها، وإنما الرأي بالطريقة التي عرض بها ومكانه في الصحيفة، يعبر عن توجه الصحيفة الأولى في أميركا التي يقرأها ويخطب ودها كل من له علاقة بالسياسة الخارجية الأميركية، بداية من الرئيس أوباما، إلى وزير خارجيته جون كيري، إلى أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أو الكونغرس، حتى أصغر طالب وأستاذ في أي جامعة أميركية يهتم بعلاقة أميركا ببقية العالم. من هنا تأتي خطورة رأي الـ«نيويورك تايمز» في توصيف الحالة المصرية وعلاقة أميركا بمصر. فماذا قالت الـ«نيويورك تايمز» باختصار؟

الصحيفة قالت ما ملخصه 3 نقاط مهمة رغم أنها متحيزة ومتعسفة في التوصيف: الأولي هي أن الوضع في مصر فيما يخص الحريات أسوأ من عهد حسني مبارك، والثانية هي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء إلى الرئاسة من خلال «انقلاب» عسكري، والثالثة هي أن تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية هو أمر غير عادل، وعليه تكون مصر بعيدة عن فكرة المسار الديمقراطي، ويجب ربط المعونة الأميركية لمصر بتصحيح المسار. هذا رأي الصحيفة باختصار شديد.

يمكنني هنا أن أمتطي حصانا خشبيا وأدافع عن مصر بقوة تجاه هذه الاتهامات، ولديّ الأدوات لفعل ذلك باللغتين الإنجليزية والعربية، ولكن إذا فعلت هذا دونما توضيح الفشل الداخلي في شرح طبيعة المشهد وتحدياته، فهنا أدخل في عملية التضليل للداخل والخارج معا، فالمهم قبل الرد على اتهامات صحيفة بحجم الـ«نيويورك تايمز»، هو ما يجب أن يفعله صانع القرار في القاهرة من نقاش جاد حول كيفية وصول صحيفة بحجم الـ«نيويورك تايمز» إلى هذه القناعات الخطيرة والضارة لصورة مصر عالميا. الـ«نيويورك تايمز» - أو (السيدة العجوز) كما يلقبونها - لا تحدد أجندة الأخبار في أميركا فقط كما يظن البعض، بل تحدد ما هو مهم وما ليس مهما في العالم، وحتى أكون دقيقا، في الغرب كله.

نحن في مصر لدينا تحديات أهم من تلك التي ذكرتها الـ«نيويورك تايمز» مثل الاقتصاد والوضع المعيشي للمصريين واستقرار بلد بحجم مصر، ومع ذلك صورة مصر عالميا تظل هاجسا مهما لدولة ترغب أن يكون لها دور إقليمي، بل وعالمي؛ لذا يجب أن يدار نقاش جاد في القاهرة عن تلك الفجوة القائمة بين ما يريده المصريون في الداخل وصورة مصر في الخارج، التي تعاني كثيرا الآن.

ما تقوله الـ«نيويورك تايمز» إن السيسي لم يكن مطلبا شعبيا وأن الانتخابات كانت مزورة، هو مجاف للحقيقة، ولكن ليس هذا هو المهم، الأهم هو كيف فشلت القاهرة في شرح الوضع المصري وتسويق رؤيتها عالميا.

هناك فشل ذريع في هذا، خصوصا أن القائمين على مسألة شرح مصر عالميا ليس لديهم لا القدرة ولا الخبرة، وكثير منهم جاءوا من النظام القديم الذي فشل بجدارة خلال العقود الفائتة في شرح الوضع المصري إلا من خلال شركات دعاية درجة ثانية في واشنطن، وأسماء الشركات معروفة. إضافة إلى أن النظام القديم لم يكن يعترف بقدرات آلاف المصريين ممن يحبون وطنهم من أجل حفنة ممن يتحدثون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لأبناء الطبقة الحاكمة، رغم أن فهمهم للغرب محدود ثقافة وسياسة. رسم صورة بلد في الخارج ليست للهواة، وليست أيضا قضية رشاقة اجتماعية في القاهرة، فالموضوع أكثر تعقيدا.

لذا لو كان مقال الـ«نيويورك تايمز» مقياسا، فإن ما قالته مصر في الأمم المتحدة ومعه مجهودات رجال الأعمال فشلا في شرح الوضع المصري الداخلي للغرب، ولو نجحا لما قالت الـ«نيويورك تايمز» ما قالت، وهي الصحيفة الرصينة التي لا تجازف بسمعتها.

الاعتراف بالفشل هو بداية تصحيح المسار. التفكير بشكل علمي والبحث عن أسباب الفشل هو بداية الحل. رأيت البعض ممن توكل إليهم مسؤولية الإعلام وصورة مصر بالخارج في القاهرة، وأعرف أن معظمهم سيربت على كتف الآخر قائلا له: «سيبك من (نيويورك تايمز) دا جورنال صهيوني، واحنا زي الفل، ويضربوا رأسهم في الحيط يا ريس»، إلى آخر هذا الكلام الذي «يلبس مصر عالميا في الحيط».

هذه الشلل والأندية المغلقة هي التي كانت وراء خراب صورة مصر بالخارج في عهد مبارك، وبعضها باق إلى الآن، بالغرور نفسه، والجهل نفسه الواثق من نفسه.

مصر وصورتها يجب ألا تكون حكرا على شلة أو جماعة أو تصور شركة دعاية لما يجب أن يقال وما لا يقال، صورة مصر مسؤولية الجميع ولا يجب التهاون مع الأغبياء الذين يكلفون مصر الكثير بتصدرهم مشهد يجهلون تعقيداته.

أكتب هذا بغضب، لأن ما قالته الـ«نيويورك تايمز» متحيز، ولكن ليس وظيفة الـ«نيويورك تايمز» شرح حقائق مصر، فتلك وظيفة من يتصدون للمسؤولية في مصر.

مصر كما سيارة فاخرة، ولكن الذين يعملون في مهنة تسويق مصر، إما لا يعرفون تجهيزات السيارة أو يحاولون بيعها في أسواق لا تستهلك سيارات فارهة. هناك مشكلة حقيقية في تسويق ما حدث في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) 2013.

كنت في واشنطن في الأسبوع الفائت، وقال لي صديق إن هناك ندوة عن الإعلام المصري في واشنطن، فهل ستذهب؟ قلت: أنا في واشنطن لأمر آخر، ولكن لماذا هذه الندوة الآن؟ ومن يمولها؟ وما الهدف منها؟ قال: من مصر. وبعدها مباشرة نشرت الـ«نيويورك تايمز» مقالا قاسيا بخصوص الإعلام المصري؛ أي إن نتيجة المؤتمر أو الندوة جاءت بعكس القصد.

تسويق مصر بالطريقة البلدي السائدة توصل إلى عكس النتائج المرجوة، فهل من إعادة نظر؟

لا بد أن نعرف أن تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية فشل مصري، مع أن هناك دولا أخرى صنفتهم كذلك ونجحت، الفارق يكمن في الإرادة. وأعرف الإجابات الجاهزة على هذا المقال.

لا الخطاب في نيويورك نجح في رسم صورة جديدة لمصر، ولا دعاية رجال الأعمال، ولكن هنا لا بد أن نسأل: أين الخطأ؟ (what went wrong).

الخطأ يكمن فيما يسميه العرب الآن، بـ«تلك الفجوة بين أهل الخبرة وأهل الثقة».

أمام القاهرة الكثير كي تتعلمه لتسويق صورة مصر في الخارج، فمعظم من في المشهد الآن، عندما يذهبون إلى نيويورك أو لندن، لا يتحدثون للخارج، بل يتحدثون للقاهرة، يريدون إحراز نقاط في الداخل وليس الخارج للحفاظ على وظائفهم.

ما قالته الـ«نيويورك تايمز» خطير، ومن يحاول أن يجعله يمر هكذا مرور الكرام مجرم في حق مصر وشعبها.

على القيادة المصرية أن تأخذ الموضوع بجدية، وتبحث الأمر، فهذه أول طلقة في حملة خطيرة تبعاتها أخطر بكثير مما يتصور البعض. رأي الـ«نيويورك تايمز» ليس مجرد رأي صحيفة، بل إشارة لصورة خطيرة تتشكل، لا أعتقد أننا قادرون على دفع فاتورة ثمنها.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر والـ«نيويورك تايمز» مصر والـ«نيويورك تايمز»



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab