من المؤكد أن انخفاض سعر النفط يضغط على الحكومة الإيرانية في مرحلة حرجة خلال مفاوضاتها مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي. لكن، هل يمكن لضغط الميزانية المستمر والناتج عن انخفاض الأسعار، والمقاطعة الدولية أن يجعلا إيران أكثر مرونة تجاه المطالب الدولية؟
هذا الأسبوع ولمدة يوم واحد تستأنف المفاوضات بين الغرب وإيران، وكانت الأطراف اتفقت في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على تمديدها مدة 7 أشهر على أن يتوصلوا إلى «إطار اتفاق» في غضون 4 أشهر (مارس/ آذار 2015)، وبعد ذلك يتم تكريس الأشهر الثلاثة الباقية لوضع التفاصيل التقنية.
هناك شعور عام بأن اتفاقا يرضي الأطراف كلها ما زال مستبعدا. خلال المفاوضات الأخيرة نوقشت صيغ عدة، لكن أيا منها لم ترضِ الجانب الغربي، أو تلبي شروطه، وشملت عدد ونوعية أجهزة الطرد المركزي التي سيسمح بها لإيران بموجب الاتفاق، فضلا عن منع مفاعل آراك من إنتاج السلاح النووي المشتق من البلوتونيوم. وحسب مصادر وثيقة الاطلاع، فقد نوقشت عدة شروط؛ أهمها تحرك المفتشين الدوليين وقدرتهم على تفقد مجموعة واسعة من المنشآت داخل إيران لضمان امتثال إيران.. أيضا رصد «مركز إيران للبحوث والإنماء» في المجال النووي، وفي التطبيقات العسكرية. وأخيرا جرى البحث حول إمدادات إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب ونقله خارج البلاد، إلى روسيا، بحيث يقل مخزونها الذي يمكن تخصيبه إلى درجة تصنيع الأسلحة. وحسب محدثي: «كان هناك كثير من النقاشات؛ إنما الخلاصة كانت لربط البرنامج النووي الإيراني، بحيث لا يمكنه الوصول إلى إنتاج القنبلة الذرية».
الشكوك في التوصل إلى اتفاق تضاعفت، لأنه كلما طالت المفاوضات، قلت احتمالات التوصل إلى اتفاق. ورغم نبرة التفاؤل التي خرج بها الجانب الأميركي، فإنه في الجلسات المغلقة تراجعت فرص النجاح عن نسبة «50 – 50» في المائة كما وصفها في بداية هذه السنة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وحسب مصدر أميركي، فان كل هذا التشاؤم لا يأخذ أيضا في الحسبان تدخل الكونغرس الأميركي في العملية، وهو الأمر الذي من المرجح أن يحدث بعد فترة قصيرة من انعقاده في بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.
في مجلس الشيوخ، من المتوقع أن يحاول مارك كيرك (جمهوري) وروبرت منيننديز (ديمقراطي) تمرير تشريعات لفرض مزيد من العقوبات على إيران إذا فشلت المفاوضات. وهذه المرة ستجد الإدارة في وجهها ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهوري وليس سلفه الديمقراطي هاري ريد، لإقناعه بعدم تحريك تشريعات جديدة. وكانت الإدارة واضحة في قولها إنها ستعارض أي تدخل للكونغرس بحجة أن أي إجراء يتخذه قد يعرض المفاوضات للخطر. وعلى هذا كان رد بعض أعضاء الكونغرس: «نعتقد أننا ذاهبون لتعريض المفاوضات للخطر».
مصدر أوروبي فسر قرار الجانبين بتمديد المفاوضات 7 أشهر أخرى بأنه يعكس قلقهما من أن إطار المفاوضات سوف يتفكك، وهناك احتمال للعودة إلى ديناميكية المواجهة والتصعيد.
التوقع أن يستمر المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي في التمسك بمواقفه: الحفاظ على المستوى الحالي للتخصيب، وتوسيعه التخصيب الصناعي بوصفه جزءا من الاتفاق، بما في ذلك استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وهذا يعني أن مواقف إيران في الجولات المقبلة ستكون أكثر تشددا.
طوال المفاوضات، حسب المصدر الأوروبي، أصرت إيران على الاحتفاظ وحتى توسيع برنامجها النووي، ورفضت تقديم تنازلات تظهر أخذها في الاعتبار المخاوف الغربية. هناك شعور متزايد لدى القيادة الإيرانية بأنه ليس من الضروري الوصول إلى قرارات صعبة ما دامت هناك بدائل للاتفاق. وهي تعتقد أن الولايات المتحدة في حاجة للاتفاق أكثر من إيران.
على الرغم من «المزاج الجديد» الذي جاء به انتخاب الرئيس حسن روحاني، فإن العام الماضي في الواقع أثبت أنه لم يكن هناك أي تغيير استراتيجي في إيران.. ففي المفاوضات واصلت إيران تحصين موقعها بصفتها دولة على عتبة السلاح النووي، وذلك من أجل كسب مزيد من النفوذ، والردع، والهيبة، وبالتالي تحافظ على توجهها نحو امتلاك السلاح النووي في المستقبل. في هذا السياق، لم يكن هناك تغيير في الشؤون الداخلية وفي السياسة الإقليمية.
يقول محدثي المصدر الأوروبي: «في الممارسة العملية، لا يوجد أي (مبرر مدني) في الجدول الحالي للتخصيب في إيران، ونظرة الغرب هي أن تبقى إيران على مسافة من تراكم المواد الانشطارية لديها التي تكفي لصنع الأسلحة النووية». ويضيف: «ثبت أن العقوبات هي الرافعة الوحيدة لدى الغرب على إيران في ما يتعلق بالتأكد من تنفيذها أي خطة مستقبلية، لذلك يجب أن تظل العقوبات طوال فترة الاتفاق للتأكد من أن إيران تفي بجميع الشروط».
لاحظ المصدر أن المبادئ التوجيهية لإيران في المفاوضات كانت: الحفاظ على، وحتى توسيع، برنامجها النووي ضمن إطار اتفاق شامل. ما عرضته من سرد كان أنه على المجتمع الدولي أن يقبل عمليا إيران بصفتها دولة على العتبة النووية. وأرادت أن تلغي الطرح الغربي بأن إيران يجب أن تبقى بعيدة جدا عن تحقيق أي اختراق. الضمانة الوحيدة التي قدمتها، الادعاء بأن هناك فتوى من المرشد ضد امتلاك السلاح النووي.
لم يلاحظ الطرف الغربي أي استعداد لدى المرشد لأن يخفض نطاق التخصيب الحالي، وبالتأكيد ليس على مدى طويل. ينبع سلوك المرشد من عدم ثقته بالغرب، وتحديدا الولايات المتحدة.. هناك نصب عينيه ما حصل مع الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي تخلى للغرب عن برنامجه النووي فقضى الغرب عليه، ثم إن أي ثقة بالغرب تقوض آيديولوجية الثورة: «المقاومة» بكل أنواعها.
الموقف الإيراني أيضا: يريد مواصلة التقدم في البحوث والتنمية في مجال تخصيب اليورانيوم، مع إمكانية تحقيق قفزة هائلة، عندما تنتهي فترة القيود المفروضة.
كما يريد أيضا الإبقاء على منشأة «فوردو» بوصفها موقعا محميا مع احتمال تخصيب اليورانيوم فيه، والمحافظة على مفاعل آراك بوصفه مفاعلا يعمل بالماء الثقيل، ثم إنها طالبت برفع سريع وكامل للعقوبات بما في ذلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
ويرى الرئيس روحاني أن المفاوضات بحد ذاتها إنجاز، فهي اعترفت بحق إيران في التخصيب، كما أنها حسنت من وضع إيران السياسي مع الانخفاض الكبير في الضغوط الاقتصادية.
من ناحية أخرى، أكثر تعقيدا، هناك عدة مسائل أساسية لم تتم معالجتها؛ وأبرزها: صواريخ أرض - أرض وقدراتها. فبرنامج الصواريخ الإيرانية هو حالة استراتيجية إيرانية وعنصر من عناصر فرضها لقوتها، خصوصا في الشرق الأوسط، وإن كانت تقول إنه برنامج للردع.
هناك أيضا النشاط الإرهابي الإيراني، وهو جزء مهم من سياسة إيران الردعية وتعزيز مصالحها في ساحات أخرى. سياسة الإرهاب تقوم بتطبيقها وحدة النخبة في الحرس الثوري، أي «قوات القدس» وعلى رأسها قاسم سليماني. ثم هناك الأعمال السلبية الإيرانية في سوريا، والعراق وإيران وفلسطين.. إضافة إلى قضية حقوق الإنسان.
إيران اشترطت ألا تشمل المفاوضات مع الغرب أبعد من برنامجها النووي. كان ذلك قبل انهيار أسعار النفط التي يقول المحللون إنها قد تصل إلى 40 دولارا للبرميل، وقبل ظهور تنظيم «داعش»، وقبل أن يقف الاقتصاد الروسي على حافة الهاوية.
لا يمكن أن يعيش الشرق الأوسط على مفاجآت سلبية يومية وتبقى إيران في عزلة عنها!