مصر والخليج بين العسكري والاقتصادي

مصر والخليج: بين العسكري والاقتصادي

مصر والخليج: بين العسكري والاقتصادي

 السعودية اليوم -

مصر والخليج بين العسكري والاقتصادي

عبد الرحمن الراشد

يوجد حماس صادق في معظم دول الخليج لدعم مصر على كل الأصعدة، وهذا الموقف أعاد الثقة في القاهرة، حتى عند المواطن المصري الذي كان قد وجد نفسه في مأزق خطير لم يمر بمثله من قبل، ووجد فجأة أن بلاده على وشك الانهيار. ودول الخليج تدرك أهمية مصر لها وللمنطقة، وتريد أن تكون شريكا في نجاحاتها لا ضحية لأزماتها. وقد تكرر الحديث هذه الأيام عن بناء قوة عسكرية خليجية مصرية، وهو تفكير منطقي بحكم التمحور الإقليمي الشديد، وانتشار الحروب في معظم أرجاء المنطقة، إنما ليس واقعيًا. وهنا يفترض من الخليجيين ألا يتوهموا أنهم قوة عظمى قادرة على تغيير العالم من حولهم. فإمكاناتهم ماديًا كبيرة عندما تنفق في وجهها الصحيح، قادرة على قيادة المنطقة سلبا أو إيجابا، لكن وبسهولة يمكن أن تتبخر ثرواتهم في مشاريع سياسية وعسكرية غير منتجة، كما حدث لصدام في العراق.

حيال مصر، أمامهم خيار واحد مستعجل لا ثاني له، دعمها اقتصاديا. والدعم ليس فقط بالمنح والقروض والدولارات، بل بمشاريع عملاقة تغير حظوظ ومستقبل المصريين. وهذا يعني مساعدتها على إنجاز مشاريع خارج ثنائية الفساد والبيروقراطية التي عطلت قدرات البلاد لعقود طويلة. وفي حال نجاح مصر اقتصاديا، سيكون نظامها السياسي أكثر استقرارا، وجيشها عزيزا وقادرا، وستصبح دولة يمكن الركون إليها لتلبية حاجات استقرار كل المنطقة. فقد كان ضعف مصر في العقدين الماضيين سببه تهالك الاقتصاد، أضعف قدرتها السياسية حتى أصبحت عاجزة عن كبح قوى صغيرة خارجية مثل حماس في غزة، ونظام البشير في السودان، وضعيفة داخلية إلى درجة صار «الإخوان المسلمون» يلعبون لعبة الرعاية الاجتماعية، وإدارة اقتصاد الأحياء الفقيرة.

القيادة المصرية في هذا الوقت الانتقالي الصعب بإمكانها منح المستثمرين الخليجيين، ومن يشاركهم من المؤسسات الدولية، مساحة حرة لتطوير قطاعات كبيرة مثل الزراعة. ففي هذا القطاع ثلاثون مليون مصري يعملون في الفلاحة، التي تمثل روح البلاد وشريان حياته، ولا يتأثر كثيرًا بالسياسة والإرهاب. ولو أن الدولة منحته الاهتمام الذي يستحقه منذ عقود لكان بإمكانها أن تتفرغ اليوم لتطوير بقية القطاعات المنتجة الأخرى. الزراعة صناعة رئيسية في الدول الكبرى، وتعتبر ضمانتها الدائمة في السلم والحرب. وإذا كانت غير مجدية بإمكان المستثمرين الخليجيين الانخراط في مشاريع محددة صناعية أو خدمية ذات قيمة إنتاجية تشغيلية وديمومة طويلة، شرط الحصول على ضمانات من القيادة المصرية، مناخ حر بعيد عن غول البيروقراطية وجشع القوى المختلفة في المجتمع السياسي. هذه الأفكار ستدعم المصرين لمائة عام مقبلة، وليس مجرد فيتامينات تنشط البلاد لبضع سنوات، وترفع مؤشر التوظيف الذي سرعان ما ينهار مَع أول أزمة.

ومفهوم العلاقة والتعاون مع مصر واسع، يفترض أن يعاد النظر في مفاهيمه وأساليبه، والخروج من الصندوق القديم الذي فشل في عهد مبارك. فالمصريون ليسوا بحاجة إلى داعمين وأعمال خيرية، بل إلى شركاء، ومن الأفضل للخليجيين أن يشتركوا مع المصريين في بناء شركات عملاقة من القطاع الخاص، تدعمها الحكومات، ويتم تمليكها تدريجيا للقطاع الخاص المصري مستقبلاً. واللافت للنظر أن الجيش المصري هو أفضل المؤسسات في مصر، أكثرها فاعلية وانضباطا، ويمكن أن يكون شريكا في عدد من المشاريع التنموية العملاقة، بصفته التنفيذية لا السياسية أو العسكرية.

أما فكرة بناء قوة عسكرية إقليمية، ركائزها مصر وبعض دول الخليج، فهي تصلح مشروعا يأتي بعد تلبية حاجات الأوضاع المستعجلة، كالاقتصادية، لأنه سيصعب الاستثمار ماديا في أكثر من قطاع في آنٍ واحد، وسيتطلب البناء العسكري وقتا طويلا، وسيتعثر بسبب تفاصيل سيكتشف الجميع أنها غير قابلة للحل. والبديل عن بناء قوة عسكرية مشتركة، هو تعزيز التعاون العسكري والأمني، الذي هو قائم ولا يعلن عنه كثيرًا. ويمكن توسيع التعاون في المناطق المضطربة مثل ليبيا وسوريا واليمن، ويمكن أيضا تفعيله في مناطق هي مصدر للتوتر، مثل تغيير النظام في السودان الذي استمر شوكة في خاصرة مصر والمنطقة. إنما الأولوية تبقى للاستثمار في اقتصاد مصر، بما يعود بالنفع على الجميع، ويحقق الاستقرار المنشود، والبرهنة لشعوب المنطقة على أن الأنظمة السياسية القديمة المعتدلة قادرة على خدمتها أكثر من أنظمة بديلة فوضوية.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر والخليج بين العسكري والاقتصادي مصر والخليج بين العسكري والاقتصادي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab