بقلم - يوسف الديني
تنشط مراكز الأبحاث وخزانات التفكير الأميركية هذه الأيام إلى مقاربة التوجهات المستقبلية، لا سيما في الشأن الدفاعي للمملكة العربية السعودية على أثر حوار ولي العهد السعودي، «مانفستو الشرق الأوسط» في المرحلة القادمة، الذي أعاد فيه بشكل واضح مسألة السيادة والأمن والدفاع، ومد يد الحوار لكل دول المنطقة وفق آلية واضحة وضمانات غير قابلة للتجزئة في إطار حل شامل للملفات العالقة.
وعلى الرغم من وضوح الموقف السعودي، فإن محاولة القفز على التفاصيل وإعطاء عناوين عريضة من قبيل شعار «التطبيع» وما يحمله من حمولات سياسية ودعائية تحاول الإدارة الأميركية الحالية استثماره كورقة انتخابية؛ لما تحمله السعودية من ثقل كبير سياسي ورمزي كأهم لاعب صاعد في المنطقة، والأكثر نمواً في «مجموعة العشرين»، إلا أن رسالة الرياض واضحة؛ فهي تسعى بشكل واضح إلى دعم برنامجها النووي المدني السلمي وتوسيع نطاق تجارتها ضمن اتفاقية تجارة حرة واضحة، وتقديم تنازلات والتزامات وتحديثات دفاعية من قبل واشنطن تضمن المزيد من أكثر المعدات العسكرية تطوراً، وهو تحدٍّ كبير اليوم إذا ما قارنا سياقين مهمين على مستوى الإيقاع الزمني: الأول يتصل بالتحولات السريعة والمشاريع العملاقة والصعود السعودي على مستوى التأثير في منطقة الشرق الأوسط، بما يتطلب استجابة سريعة لهذا الإيقاع الذي تقابله بيروقراطية معقدة وبطيئة من قبل الولايات المتحدة، لا سيما في المجال الدفاعي على مستوى اتخاذ القرار أو الإنتاج، كما وصفها الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط غرانت روملي في ورقة كتبها لمعهد واشنطن للسياسات، فالجميع يعلم أن الكونغرس يمكنه القيام بتأخير أو تعقيد اتفاقيات تمويل معينة لمبيعات الأسلحة، وأن يسن تدابير للرقابة على استخدامها، إضافة إلى وجود الكثير من التقارير النقدية لمسألة الإيقاع الزمني وتأخر التسليم.
الأكيد أن استراتيجية السعودية الدفاعية والأمنية واضحة، ويمكن العودة لها ببساطة في وثيقة «رؤية 2030» وما تلاها من تصريحات، فهناك خطة لبناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة لا ترتهن إلى إشكاليات الإيقاع الزمني والتسليم وتتمتع بنسبة أكبر من الاستقلالية، وذلك عبر زيادة معدلات الإنفاق على التسليح والمعدات العسكرية الوطنية، وتوطين الصناعة بنسبة تصل إلى 50 في المائة من إجمالي الإنفاق، بإشراف مباشر من قبل «الشركة السعودية للصناعات العسكرية» (SAMI)، والهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI)، كما اشترطت السعودية أنه يتعين على كل شركات الدفاع الأجنبية ووكلائها أن تقوم بفتح مقر إقليمي لها داخل المملكة اعتباراً من عام 2024.
عودة الحليف الموثوق بالنسبة للولايات المتحدة اليوم مطلب إذا ما أرادت الرجوع إلى المنطقة من زاوية احترام السيادة والاتفاقيات المشتركة، وإعادة موضعة الحالة السعودية الجديدة باعتبارها الفاعل الأهم في المنطقة والأكثر تأثيراً على مستقبلها الاقتصادي واللوجستي المتصل بالممرات الآمنة للطاقة، وإدراك هذا الجانب المهم للتحول السعودي يفترض أن يكون نسغ ولبّ الحوارات والنقاشات في مراكز الأبحاث وبيوت الخبرة أكثر من الارتهان إلى قضية فرعية كالتطبيع ونسيان الأصل، وهو الحاجة إلى الرياض اليوم، وضرورة التفكير في السلام مع السعودية الجديدة قبل كل شيء!.