بقلم - مشعل السديري
قبل أن يهلّ علينا «كورونا» بوجهه الكالح، كان عدد السياح الذين يجوبون أنحاء العالم يفوق المليار نسمة وفوقها 33 مليوناً كذلك، والغالبية العظمى من هؤلاء قدرتهم المالية على قد حالهم، أما من يستطيعون السكن في الفنادق المقيّمة بالنجوم كلها، فهم لا يتجاوزون 15%، وإذا عرفنا أن مجموع عدد غرف الفنادق في 17 دولة من أغنى دول العالم لا تزيد على 35 مليون غرفة، أدركنا مدى الحاجة لسكن الغالبية العظمى من السياح أصحاب الإمكانيات المحدودة، الذين تقصم ظهورهم أسعار السكن في الفنادق.
لهذا تفتقت عبقرية اليابانيين عمّا تسمى: فنادق «الكبسولات»، اهتموا فيها في البداية كطريقة رخيصة، بإيواء الذين يعملون حتى وقت متأخر من الليل، أو من يُسرفون في تناول الخمور ويعجزون عن الوصول إلى منازلهم.
وتلقفت الصين هذه الفكرة وطبّقتها على نطاق واسع، وأنشأت عدّة فنادق «كبسولات»، طول الكبسولة 2.2 متر وارتفاعها وعرضها نفس الشيء 2.2 متر، وكل واحدة مزودة بالكهرباء وجهاز تلفزيون وخدمات إنترنت، كما يمكن للنزلاء استخدام حمام مشترك.
وقبل ثلاثة أشهر ذكر لي صديق أنه سوف يسافر إلى الصين، وحيث إنه شديد البخل، فنصحته بالسكن بكبسولة من تلك الكبسولات، ويبدو لي أنه سمع كلامي، لأنه بعد وصوله بيومين اتصل بي يشكرني، وأقسم بالله أنه من أول ما يعود إلى جدة سوف يقبّل رأسي – وهذا ما حصل.
وبحكم أنني إنسان أنشد التجارب في كل شيء تقريباً - ما عدا الأكل - لذلك لو ساعدني الحظ وسافرت إلى اليابان، فلن أسكن إلاّ في أغرب فندق، وهو الذي أنشئ عام 1315 وتعاقب عليه أكثر من 52 جيلاً.
أرجوكم لا تعتقدوا أنني أمزح، فقد افتتح ذلك الفندق الذي اسمه «Nishiyama Onsen Keiunkan» أبوابه، وعمره الآن 705 سنوات، عندما جلس الإمبراطور فوجيوارا ماهيتو على العرش واستضاف في تاريخه العديد من الشخصيات شديدة الأهمية بدايةً من أباطرة اليابان حتى مقاتلي «الساموراي»، بالإضافة إلى الشخصيات الشهيرة. ولا يندهش الكثيرون إذا عُدّ هذا المعلم السياحي تراثاً ودخل موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بوصفه أقدم فندق في العالم، وسعر الغرفة فيه بنحو 325.3 دولار في الليلة الواحدة.
ومثلما ذكرت يوم الثلاثاء الماضي، فإنني للأسف لا أستطيع السفر الآن بسبب إصابتي «بإنفلونزا» حادة وأخشى أن تتحول إلى «كورونا»، لهذا سوف ألزم بيتي بعيداً عن العالم والناس، ليس لمدة أربعة عشر يوماً فقط، ولكن لمدة «ألف ليلة وليلة» – ورحمك الله يا أم كلثوم.