بقلم - مشعل السديري
قاتل الله «كورونا» الذي كاد يقضي على أجمل نباتات تزين وجه هذه الأرض المجدورة، ألا وهي الزهور والورود.
إن تداعيات ذلك الوباء تهدد بذبول تجارة الزهور في العالم التي يقدر حجمها بـ100 مليار دولار سنوياً.
وذكرت إحصائيات (بورصة الورد) في هولندا أن العالم يستهلك ملياري وردة سنوياً، فضلاً عن 190 مليون نبات زهري، وهي حجم تجارة هذه البورصة التي تنفذ 50 ألف صفقة يومياً، ويتم التعامل فيها من الولايات المتحدة إلى اليابان إلى أوروبا إلى آسيا وأفريقيا، عبر الطائرات، ونتيجة لهذا الكساد أصبحت هذه النباتات الجميلة، يا للهول، علفاً للحيوانات.
وما دمنا في هذا الصدد، ففي زمن الجهالة كان لي موقف لا أحسد عليه مع هذه النباتات، ففي سنة غابرة استأجرت في روما غرفة في شقة امرأة عجوز، واشترطت هي علي أنها لا تستطيع أن تقدم لي غير وجبة الإفطار نتيجة لكبر سنها، وغدوت أتناول وجبة الغداء في مطعم الطلبة في الأكاديمية التي أدرس بها، أما العشاء فساندويتش أو شريحة من البيتزا.
وفي أحد الأيام عندما عدت وإذا بسيارة إسعاف متوقفة عند العمارة، وعلمت أنها أتت لنقل السنيورة التي أسكن عندها إلى المستشفى لأن حالتها حرجة.
وبعد عدة أيام قررت أن أزورها، فذهبت إلى محل لبيع الزهور لأحمل لها باقة، متذكراً مقطعاً لأغنية عبد الوهاب التي جاء فيها: أصفر من السقم أم من فرقة الأحباب، لهذا اخترت زهوراً صفراء لأنها من وجهة نظري تعبر عن هذه المناسبة.
وما إن دخلت عليها وقدمتها لها حتى شكرتني عليها وهي تبتسم ابتسامة صفراء، ولكني تفاجأت من أقاربها الملتفين حول سريرها أنهم مستاءون ومتبرمون جداً من هديتي تلك، وخرجت متعجباً ومنكسر الخاطر.
وما هي إلاّ عدة أيام حتى صدمني الخبر المزعج: لقد ماتت السنيورة.
وعلمت من بنتها فيما بعد أن تلك الزهور الصفراء التي أتيت بها لا تقدم إلاّ في العزاء أو توضع على قبر الميت - وأنا يا غافل لك الله.
ولا يزال ضميري يؤنبني حتى الآن على هديتي المشؤومة تلك، التي جابت خبر السنيورة.
وأخيراً عرفت أن عادة وضع الزهور على قبور الموتى مأخوذة عن الفراعنة، ففي مقبرة توت عنخ آمون عثر على إكليل من الزهور على تابوته وضعته زوجته.
ولا أستبعد أن ذلك الإكليل كان من نوع الزهور الصفراء التي اخترتها.