كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

 السعودية اليوم -

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش

بقلم - طارق الشناوي

الشارع يموج بالزحام والأنواع، وبأصوات متباينة، يختلط فيها الزعيق، والغناء، والهتاف، وعزف الموسيقى، وتسمع من خلال الأصوات المدوية أبواق السيارات، ورنين أجراس بسكليت، أو عربة «حنطور» خاصة، وفرقعة السياط في أيدى سائقى عربات «الحنطور»، أحيانًا يلهبون بها ظهور الجياد، وأحيانًا يلهبون بها ظهور الصبية المتعلقين بمؤخرة عرباتهم، وأحيانًا يلهبون الهواء بسياطهم.. ليشقوا لهم طريقًا للمرور!.

إن الكلمات، والقهقهات هي الأخرى تترنح. الذين يزعقون تخرج الكلمات من أفواههم مبتورة ملتوية، كالسيرة المعوجة، أو السلوك السيئ!، والذين يقهقهون تعلو قهقهاتهم وتهبط، وتتقطع وتتمايل، كسكران شرب زجاجة كاملة من خمر ردىء!. والشارع يبدو كما لو كان متدثرًا في غطاء، فضاؤه تغطيه البالونات، يمسك بخيوطها الصبيان والباعة الجائلون، جدرانه تغطيها إعلانات الملاهى وصور المطربات والراقصات والمطربين.. النساء والفتيات والشبان والكهول غطوا الرصيف والطريق، أزياء الرجال متعددة الأشكال، عمائم وطرابيش وقبعات، جبب وقفاطين، وبذلات، ومعاطف وجلاليب عادية، وجلاليب من الصوف أو الحرير تولى حياكتها أشهر الخياطين، النساء يرتدين الفستان، أو الحبرة، أو المعطف، أو الملاءة اللف.. أكثرهن سافرات الوجوه، والأقلية منهن احتفظن باليشمك التركى، أو البرقع البلدى!.

لا يوجد مقعد خالٍ في مسرح، أو مقهى، أو دار سينما، أو كباريه.. وعلى أبواب المقاهى يعرض الحواة ألعابهم العجيبة. يحشون صدورهم بالثعابين، ويأكلون النار، ويبلعون المسامير.. وإلى جانبهم فرقة تعزف البيانولا، وبين أعضاء الفرقة مَن تخصص في المشى على يديه، ومَن تخصص في حمل بقية أعضاء الفرقة فوق قدميه!.. ومن كل ناحية تنطلق أغانٍ، وألحان، ترددها المجموعات، أو المطربون في المسرح، وترددها معهم الجماهير في الشارع الكبير!.

هكذا كان شارع عماد الدين، مساء يوم 31 ديسمبر من عام 1922.. وكان صاحب هذه الألحان والأغانى يمشى في الشارع، ويستمع إلى الناس، وهم يبدون إعجابهم به، فيأخذه الزهو، وتتملّكه نشوة النجاح، لقد سبق زمنه في الكشف عن حقيقة الأغنية، ووظيفتها، ومفهومها، وسبق زمنه أيضًا في الكشف عن مكانته، وموهبته، وعبقريته!.

أصبح صوت مصر.. صوت عاطفتها، ومرحها وألمها، ونضالها.. إنه صاحب كل هذه الألحان التي تعبر عن الحب، والحزن، والأمل، والتمرد على الظلم، والاستغلال، والاحتلال!.

إنه الرجل الذي انفعل بآلام الشيّالين والسقّايين، وغنى في وقت واحد: «ضيّعت مستقبل حياتى»، و«شفتى بتاكلنى أنا في عرضك»، و«فلفل فلفل اهرى يا مهرى»، و«زورونى كل سنة مرة»، و«بلادى بلادى لكِ حبى وفؤادى»، و«قوم يا مصرى مصر أمك بتناديك»، و«اللى أوطانهم تجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم».

إنه سيد درويش.. وكان في هذا العام قد بلغ من عمره الثلاثين، وبلغ في فنه قمة المجد والشهرة.. إنه ابن كل شارع في مصر، واحد من غمار الناس. عاش مشاعرهم، وتجاوب معهم، فجعل من فنه رئة يتنفسون بها!.

وفى شهر سبتمبر من عام 1923، أعد سيد درويش نشيدًا وطنيًّا ليغنيه مع المجموعة في حفل استقبال الزعيم سعد زغلول لمناسبة عودته من إحدى الرحلات. وسافر سيد درويش إلى الإسكندرية، ونام عند شقيقته في حى محرم بك، وفى اليوم المحدد للاحتفال، 15 سبتمبر، كانت المجموعة قد حفظت النشيد في الصباح، وانتظرت سيد درويش، ولكنه لم يحضر، ولم يعجب أحد لذلك، فقد كان الشيخ سيد لا يلتزم بأى موعد. وظهر سعد زغلول في الاحتفال، وعزفت المجموعة نشيد «بلادى بلادى لكِ حبى وفؤادى»، ورددت الجماهير هذا النشيد بقوة وحماسة، وأبدى سعد زغلول إعجابه باللحن الشعبى العظيم، وسأل: مَن الذي وضع هذا اللحن؟!. وقيل له: سيد درويش، فقال: أين هو لأُحييه؟. وقيل لسعد زغلول: لقد مات.. اليوم، مات سيد درويش!.

كامل الشناوى

مقطع من مقال يتجاوز 3 آلاف كلمة، رسم فيه الكاتب والشاعر الكبير كامل الشناوى ملامح سيد درويش، الذي نحتفل بمئويته خلال أيام، (جعل من فنه رئة للناس يتنفسون بها)!!.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش كامل الشناوي يكتب عن سيد درويش



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"

GMT 23:45 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

تعرف على حكم قراءة الفاتحة في "صلاة الجماعة"

GMT 22:30 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يبرر تواصل ليوناردو بونوتشي مع كونتي

GMT 00:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

حقيبة اليد تضيف المزيد من الأناقة للرجل في 2018

GMT 02:50 2016 الإثنين ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ياسين الصالحي يتمسك بالطرق القانونية للانتقال إلى "الكويت"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab