بقلم - طارق الشناوي
إحدى المذيعات تفتق ذهنها إلى الدعوة لإلغاء مباراة كرة القدم التى أقيمت أمس الأول بين مصر والجزائر، بحجة أن هذا هو أضعف الإيمان لإعلان المؤازرة للشعب الفلسطينى وأهلنا فى غزة، أراها نوعا من المراهقة الفكرية فى التعبير عن الموقف الوطنى، الحمد لله أن الفكرة الساذجة ماتت فى مهدها.
تلقيت عديد من الرسائل حول مقال أمس، الذى كنت أرفض فيه قرار تأجيل الفعاليات الفنية فى مصر، بحجة أن الظرف لا يسمح، بينما دماء أهلنا لاتزال تنزف فى غزة، لا أحد يملك الآن قراءة القادم، لنعرف متى تتوقف حمامات الغضب التى أهدرت فيها إسرائيل دماء الفلسطينيين، بحجة حماية الأمن القومى للدولة العبرية، لا توجد أى إشارة، تؤكد إنهاء النزيف، بينما العالم حولنا يزداد تواطئا وصمتا على تلك المجازر، أغلب الأصدقاء يؤيدون قرار تأجيل المهرجانات الفنية، بل هناك من يرى أن الأجدى هو إلغاؤها هذا العام (وبركة يا جامع).
حجتهم أن فنانى هذا الزمن لا هم لهم سوى (التريند) حياتهم هى ضحك فى ضحك فى ضحك فى ضحك، ولا مكان على جدولهم اليومى لأى ممارسة لها علاقة بالجد.
توجسوا من جدوى إقامة أى فعاليات فنية بينما هؤلاء هم الفنانون الذين لا يدركون ما الذى ينبغى عليهم أن يقولوه أو حتى يرتدوه، مؤكدين أنها سوف تتحول إلى مسخرة لتصبح هى حديث (السوشيال ميديا)، مع الأسف تحكمنا رؤية عامة ظالمة للكثير مما يجرى فى الحياة.
هناك نظرة متزمتة سلفية فى توجهها، بقدر لا يخلو من الاحتقار لكل ما ينتمى للموسيقى والغناء والعزف والتمثيل والرسم والتصوير، ومع الأسف، انتقلت حتى لعدد من دور الصحف، علمت أن أحد رؤساء التحرير كان يطلق بكل ثقة على العاملين فى الفن والثقافة قسم (الهشك بشك)، تلك هى زاوية الرؤية التى من خلالها يتم تقييم الحياة الفنية، وهى أشبه بنظرية الأوانى المستطرقة، تنتقل من قطاع إلى آخر، وتزداد فى تزمتها مع الزمن، لا أنكر قطعا أن الوسط الفنى مثل أى مجال آخر تجد فيه تراجعات وتناقضات وآراء صادمة، ولكن هذا لا يعنى أن نعتبر ذلك مؤشرا على توجه الأغلبية، بل هو منطق الأمور وفى كل المجالات، كان وسيظل هناك فنانون مدركون لواجباتهم الوطنية والقومية، ولكننا نميل إلى إطلاق أحكام عامة، تحكمنا قراءة متعسفة ومتجنية.
التعليقات فى أغلبها تراهم مجرد نجوم لهم بريق، ولكن ليس لديهم موقف، سوى مصلحتهم، لا يدركون ما ينبغى فى تلك المناسبات أن يقال أو حتى لا يقال، وكالعادة يتحسرون على زمن الكبار الذين لم يتوانوا أبدا عن اتخاذ أى موقف يعلنون فيه مؤازرة الوطن على كل الأصعدة.
مساء أمس بادرت نقابة الممثلين بدعوة من أشرف زكى لعقد اجتماع تعلن فيه موقفها، أشرف هو أكثر النقباء فى بلدنا إدراكا لأهمية دور الفنانين، وكثيرا ما يسارع بالتدخل فى التوقيت المناسب، لإعلان الرأى المستنير.
أتمنى أن يحكمنا العقل والمنطق وأيضا المصلحة ونحن نعلن مواقفنا، من صالح مصر أن تؤكد بكل الوسائل وأولاها المهرجانات الفنية، قرارها المؤيد لحق الشعب الفلسطينى فى حياة كريمة وفى وطن عاصمته القدس الشرقية، الدماء التى تريقها إسرائيل لن تضمن لها الأمن والأمان.
المقاومة الفلسطينية مثل طائر العنقاء عندما تحترق تولد من جديد، وتصبح أكثر قوة، أعلنوا من خلال كل المهرجانات المصرية صوت الحق، مصر مع العدالة والسلام والأمان، ولن تصمت أبدا على استمرار القتل الجماعى لأهل غزة.