يقلم - طارق الشناوي
تفرق كتير تلك (الدقة)، تفصيلة صغيرة نطلق عليها (الكاريزما).
قبل يومين، كنت ضيفًا على بسمة وهبة فى برنامجها (كل يوم) بقناة (أون)، سألت محمد شبانة عن حقيقة مشاعر الغيرة التى كان يكنها إسماعيل شبانة لشقيقه الصغير عبدالحليم حافظ.. أكد شبانة أن العكس تماما هو الصحيح.
هل من الممكن أن يضحى فنان بحلمه مكتفيا بأن أقرب الناس إليه قد حققه؟ صار حليم هو الأسطورة والأيقونة فى زمنه، ولا يزال أسطورة زماننا.
شهد عام 1953 بداية ظهور عبدالحليم، وعلى الجانب الآخر أفول، بل نهاية مشروع مطرب اسمه إسماعيل شبانة.. من عايشوا تلك الحقبة أكدوا لى أن المرارة والحسرة كانت تسكن قلب إسماعيل، ليس قطعا بسبب نجاح حليم وتهافت شركات الإنتاج للتعاقد معه، ولكن لأنه لم يجد شيئا من هذا، فهو صاحب صوت قوى ومتكامل دعّمه بالدراسة الأكاديمية، فقط ينقص الحلو ومضة تسكن قلوب الناس.
كان الأمر قاسيا على إسماعيل، ومع الزمن ومع تضاؤل الفرص المتاحة، لم يعد أمامه سوى أن ينسى حلمه ليصبح واحدا من فريق عبدالحليم، ينقل إليه ما يدور فى معهد الموسيقى العربية، وبالتالى يدرك حليم ما هى النغمة السائدة من خلال أذن شقيقه المدربة. روى لى الموسيقار الكبير كمال الطويل أنه فوجئ بتليفون من عبدالحليم يعاتبه لأنه منح المطرب اللبنانى محمد مرعى أغنية (لأ يا حلو لأ /لأ مالكش حق) والتى صارت هى اللحن الوحيد الذى اشتهر به مرعى فى مصر، تعجب الطويل.. كيف وصله الخبر، والأغنية لم تذع؟.. فأخبره أن إسماعيل استمع للبروفة.
إسماعيل كان هو سر بقاء عبد الحليم على قيد الحياة، أنقذه من الموت، وحمله على يديه وهو رضيع ابن أيام، قبل أن يفتك به أهل قريته «الحلوات» بمحافظة الشرقية، بعد أن اعتبروا ولادته نذير شؤم، ماتت أمه وهى تنجبه، ومات والده بعدها بأسبوع.. «إسماعيل» أيضا كان هو المعلم الأول لشقيقه الصغير، وهو الذى أخذ بيد «عبدالحليم» وأقام عنده فى القاهرة بعد أن ترك الملجأ الذى عاش فيه قرابة 10 سنوات، وعلّمه أصول الغناء، وألحقه بمعهد الموسيقى.
صوت إسماعيل شبانة من ناحية البناء الفنى يعتبر مقياساً للاكتمال، حتى إن بعض كبار الموسيقيين أمثال رياض السنباطى وسيد مكاوى وعبدالعظيم عبدالحق وعبدالعظيم محمد وغيرهم كانوا يرون أنه الصوت الأجمل، وفضلوه كخامة عن عبدالحليم.
مفتاح النجاح الاستثنائى هو تلك (الكاريزما)، ولكننا يجب أن نقول إنها ليست بالضرورة أبدية، هناك فنانون ومذيعون امتلكوها فى مرحلة زمنية، وبعد ذلك غادرتهم، خرجت ولم تعد، إنها بمعنى ما الحضور الشخصى الطاغى، بينما هناك من لديهم انصراف طاغٍ، ويظلون طول العمر يندبون حظهم العثر بسبب (الكاريزما) المفقودة. هل يحدث أحيانا أن نجد أمامنا الإخوة الأعداء؟.. نعم، ولدىَّ أمثلة عديدة، وكم وجّه شقيق طعنات قاسية لأقرب الناس إليه، لأنه الأكثر نجاحا، بينما أحال إسماعيل تلك المشاعر السوداء إلى درع بيضاء شفافة يحمى بها شقيقه الصغير !!.