يقلم - طارق الشناوي
برغم سحابة التشاؤم التى تخيم منذ بضعة أشهر على الدنيا كلها، إلا أنى أتشبث بالأمل، أشعر بأن رجاء الجداوى ستعبر الأزمة، ستصبح تلك الأيام الصعبة مجرد ذكرى، أعرف أن رجاء مقاتلة شرسة، وكم عايشت من مرضى، رجاء مثلا من طقوسها اليومية أن تذهب مع صديقتيها الحميمتين ميرفت أمين ودلال عبد العزيز لزيارة المستشفيات وتلتقى بمرضى لا تعرفهم، يكفى أنهم بحاجة إلى دفء، لدى النجمات الثلاث، فيض من العطاء والمسؤولية الأدبية تجاه البشر، خاصة ممن يعانون أمراضا معضلة، كثيرا ما تعرض الثلاث لسخرية سمير غانم، القادر بخفة ظله على إحالة كل شىء فى الكون إلى ضحكة من القلب.
رجاء تعمل كثيرا، تقدم برنامجا بالإذاعة فى فترة الظهيرة، وفى المساء تشارك فى تمثيل مسلسل أو فيلم، وفى الليل تقدم فقرتها مع عمرو أديب، لديها واجبات لدائرة أخرى تتجاوزها، تشعر بأن ربنا يمنحها الرزق من أجلهم، تعمل وتعمل وتعمل وتحرم نفسها من ساعات الراحة الضرورية، لكى توفر لهم مقتضيات الحياة.
هل من تقدم كل ذلك وما هو أكثر تضن عليها يد العناية الإلهية؟
كثيرة هى الإنجازات التى حققتها رجاء، يكفى أنها منحت قيمة أدبية للمانيكان، كانت هذه المهنة مستهجنة فى المجتمع المصرى قبل رجاء، وفى إطارها الدلالى تعنى الغواية، رجاء أعادت للكلمة انضباطها، صارت مصر فى الستينيات تحترم (المانيكان) وتقدرهم، لأنهم شاهدوا رجاء الجداوى، التى صارت تمثل فى الضمير الجمعى قمة الشياكة والأنوثة والجمال والرقى. قالت لى سوسن بدر إن أباها كان معترضا على دخولها الوسط الفنى، برغم أن والدتها هى الفنانة أمال مرسى، ووافق فقط عندما قالت له أريد أن أصبح مثل رجاء الجداوى، كانت هى الشخصية المثالية التى أقنعت والدها، تمنى أن تصبح ابنته مثل رجاء الجداوى.
بينى وبين رجاء يتردد بكثافة اسم تحية كاريوكا، أزعم أنى فى جيلى كنت الأقرب إليها، وكانت تمنحنى الكثير من الثقة والحب، عرفتها وهى متزوجة من فايز حلاوة وتعيش فى شقة مترامية الأطراف على النيل فى حى الجيزة، وتواصلت علاقتنا بعد أن استولى حلاوة على الشقة، وطردها وعاشت فى شقة صغيرة بحى الدقى، كثيرا ما التقينا أنا ورجاء على حب تحية، إطلالة كل منا تزيد صورة تحية وضوحا، وتُكمل ما هو ناقص، رجاء ليست أبدا مثل خالتها تحية التى تولت تربيتها فى مرحلة الطفولة، إلا أنها لم تصبح صورة من خالتها، رجاء عقل يفكر ويتأمل ويحسبها بدقة قبل أن ينطق- بينما تحية قلب يعلن انحيازه ولا يتراجع مهما بلغت فداحة الثمن. عندما شرعوا فى تنفيذ مسلسل عن تحية، اعتذرت أنا عن المشاركة بالتمثيل، لأنى لم أقتنع كيف يمثل الإنسان دوره الحقيقى فى الحياة؟، بينما رجاء اعتذرت لأنها خشيت ألا يقدم المسلسل لتحية ما تستحقه.
ستهزم رجاء الجداوى (كورونا) تلك هى قناعتى، وهذا هو أيضا رجائى، وكما كانت واحدة من أيقونات المصريين فى الموضة كمانيكان، ستصبح أيقونة لنا فى قهر الفيروس، وستفعلها رجاء!!