يقلم - خالد منتصر
٩٩٪ من المصريين كانوا لا يعرفون أن الفنان الراحل إبراهيم نصر مسيحى، لم يعرفوا تلك المعلومة إلا عندما برزت أنياب الضباع على السوشيال ميديا تنهش فيه وتعترض على طلب الرحمة له وكأنهم يحتكرون الفردوس، منهم من قال «افتكرته مات صايم»، ومنهم من قال «لا تجوز الرحمة على الكفار»...إلخ، خرج كل قاموس الفاشية الدينية العفن إلى النور، هذا القاموس الذى علمهم ولقنهم إياه حفنة من الدعاة تجار الدين المرتزقة، تذكرت مصر ما قبل تغول وتوغل الفاشية الدينية حين لم يكتشف كل من نجيب الريحانى وبديع خيرى ديانة صديقه ورفيق رحلته، إلا فى عزاء والد بديع وقراءة الشيخ محمد رفعت فى السرادق، تذكرت مصر الكوزموبوليتان، جدارية الموزاييك التى تحتضن الجميع، حين ظل الفنان التشكيلى راغب عياد المسيحى فى مصر يعمل فترتين كمدرس ليصرف على بعثة زميله يوسف كامل المسلم، وعندما عاد يوسف إلى مصر فعل نفس الشىء، تذكرت كل تلك القصص التى كانت جزءاً فطرياً من نسيج الوطن وغير مفتعل، كان كنبض القلب المفروض ألا تحس به، وإن أحسست به فأنت مريض، هكذا كانت قضية مسلم أو مسيحى غير مطروحة أصلاً، حتى البهائى الذى يكافح الآن من أجل بطاقة هوية كان يبكى عند موته الجميع، فعندما رحل بيكار تلألأت مآقى المصريين بدموع الحزن، وتذكروا صاحب السندباد ورسام الأنامل الرشيقة وموثق رحلة نقل معبد «أبوسمبل»، هكذا كانت مصر فجر الضمير، الآن يأتى الزمن الذى يستكثر بعض المصريين الرحمة على من زرع الابتسامة فى كل رمضان فى قلوب كل المصريين، الذى ترحمنا عليه حياً ونحن نشاهد فى بداية رمضان وقبل رحيله هذا العام بالذات أسخف برامج مقالب فى الكون!، هل هى صدفة أن يرحل إبراهيم نصر عنا ويودعنا ونحن نشاهد ذلك الغثاء ونتفرج على تلك التفاهة؟، وليست مصادفة أيضاً أن إبراهيم نصر الذى أبكانا فى فيلم «إكس لارج» هو نفسه من أضحكنا فى الكاميرا الخفية، وليست مصادفة أيضاً أن أكثر متعة رمضانية كانت من مسيحى اسمه إبراهيم نصر صاحب الكاميرا الخفية ومسيحية اسمها نيللى صاحبة الفوازير، كل منهما بنى نجوميته من مناسبة إسلامية وطقس رمضانى!، إبراهيم نصر كان ابن مصر قبل أن يكون ابن نصر، كان مصرياً قبل أن يكون مسيحياً، لم يتحدث فى أى برنامج عن ديانته، ليس لأنه غير متدين، ولكن لأنه غير عنصرى، ولأنه شخص يعرف معنى المواطن فى وطن يخضع لقوانين الدولة المدنية الحديثة، وطن أشرقت منه شمس الحضارة على الدنيا، أما عن محتكرى الحقيقة أصحاب توكيلات الجنة من الذين يظنون أن الله قد منحهم توكيلات الإيمان والتكفير، من يملكون سكاكين الذبح وشق صدور الناس لمعرفة نياتهم وصدق إيمانهم، فهؤلاء المرضى السيكوباتيون مكانهم المصحات النفسية، يعالجون فيها من أحقادهم وغلهم وسواد قلوبهم ووضاعة نفوسهم، كفانا تمزيقاً لوطن مثخن بالجراح.