السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية

السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية

السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية

 السعودية اليوم -

السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية

بقلم - إميل أمين

كيف يمكن للمراقب السياسي المحقق والمدقق، أن يصف أوضاع العالم، في الأوقات الأخيرة، لا سيما في ظل حالة السيولة الجيوسياسة المتجلية في زوايا الأرض الأربع، وبعد نحو ثلاثة عقود، من تصور لنظام عالمي أحادي التوجه، بقيادة أميركية منفردة، وبعد شبه استقرار أممي، مكنت له توازنات القوة ما بين حلفي وارسو والناتو؟

لا يحتاج الأمر لذكاء فائق حتى يدرك أن هناك توزيعات وتنويعات للقوة، تحدث فوق سطح البسيطة، وليس أدل على تغير المشهد العالمي مما جرى خلال الأيام القليلة الماضية في كامب ديفيد بولاية ميرلاند الأميركية، ذلك اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي ورئيس كوريا الجنوبية، ورئيس وزراء اليابان، والذي اعتبرته الكثير من الدوائر الدولية، إرهاصات لتوسع الناتو، أو ما بات يعرف بالناتو الآسيوي.

من ناحية ثانية، وخلال اليومين القادمين، سوف يلتئم شمل دول مجموعة البريكس، في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، بهدف لا يغيب عن أعين الجميع، وهو البحث عن تحالف دولي جديد، يخفض من انفراد الغرب بالمقدرات العالمية.
هل أصاب الفيلسوف الإيطالي انطونيو غرامشي كبد الحقيقة في تحليله لتغير المجتمعات حين قال: "تتجلى الأزمة تحديدا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد، وفي فترة التريث هذه، يبرز عدد كبير من الأعراض المرضية"... هل اليوم شبيه بالأمس، وهل حاضرات أيامنا نسخة مكررة مما جرى بعد الحرب العالمية الثانية؟
لم يعد عالمنا المعاصر مشابها لما كانت عليه الكرة الأرضية عشية انتصار دول الحلفاء على الفريق المنافس لهم أي دول المحور، والمتضمن ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، بالإضافة إلى اليابان الإمبراطورية.

في ذلك الوقت لم يكن العالم قد شهد العديد من التطورات التكنولوجية، لا سيما وسائل الاتصالات الحديثة، والأقمار الاصطناعية التي جعلت الكون قرية كونية واحدة، فقد كانت الأخبار تنتقل ببطء شديد من دولة إلى أخرى، ومن قارة إلى ثانية، ما جعل مسألة اتخاذ القرارات الدولية، تأخذ مسارات ومساقات هادئة إن لم تكن بطيئة، الأمر الذي اختلف طولا وعرضا شكلا وموضوعا عما نعيشه، وبخاصة بعد الانفلاش المعلوماتي والإخباري عبر الهواتف الذكية.

في نهاية الحرب العالمية الثانية لم يكن نموذج أشباه الدول معروفا ولا مؤثرا ونافذا كما هو الآن، ونقصد بأشباه الدول التجمعات الاقتصادية المالية العالمية، مثل كارتلات النفط، أو جماعات الضغط الخاصة بالسلاح، وفي مقدمها المجمع الصناعي العسكري الأميركي بأضلاعه الثلاثة: صناع السلاح في المصانع، وجنرالات الحروب في البنتاغون، إضافة إلى المشرعين في الكونغرس بغرفتيه الأعلى الشيوخ والأدنى النواب.

هذا النموذج من أشباه الدول هو ما يعرف بالشركات المتعددة الجنسيات، أو المتعدية الجنسيات، بمعنى أنها باتت فوق الانتماءات إلى دول بعينها، وأضحت كيانات اقتصادية أخطبوطية تسيطر على مقدرات العالم، بل لا نغالي إن قلنا إنها تمد أذرعها علانية وخفية للتحكم في صناع القرارات السياسية، من مشرق الأرض إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

الحاجة إلى نظام عالمي جديد، أمر ربما باتت تفرضه "الأشياء الحديثة في مجال الاقتصاد حول الكرة الأرضية، إذ يبدو للناظرين أن نظام "بريتون وودز" الذي تبلور في أعقاب الحرب الكونية الكبرى الثانية، لم يعد قادرا على السيطرة على الأحوال المالية والتوجهات الاقتصادية للعالم بصورته المعاصرة، وحتى مقدمته الضاربة المتمثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين، لم تعد قادرة على متابعة مولد اقتصاد عالمي جديد، والسؤال هنا لماذا؟

باختصار غير مخل لأن قلب العالم القديم، ذاك الذي كان محلا للتراكم الرأسمالي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، قد تغير وتحرك إلى الشرق، هناك حيث آسيا الصاعدة بقوة، وحيث الصين على سبيل المثال مرشحة خلال سنوات قليلة لأن تقود العالم ماليا، وحيث الدولار لن يبقى طويلا ذلك "اللورد الأخضر" القادر على أن يأمر فيطاع.

تحتاج الإنسانية في الوقت الحالي إلى نظام عالمي جديد قادر على التعاطي مع التهديدات التي تشكل نوازل، والتي تؤثر تأثيرا خطيرا على مستقبل الإنسانية، ومن غير أن توفر أحدا من سكان البسيطة.

ولعله من بين المسببات التي تستدعي البحث عن معالم وملامح عالم جديد، تطفو على السطح قضية "الذكاء الاصطناعي"، هذا التطور الخطير والمثير الذي يحاول إزاحة العنصر البشري، لصالح الروبوتات التي تهدد باحتلال وظائف العالم، ما ينذر بثورة جديدة بين البلاشفة والمناشفة، إن جاز لنا استعارة اللغة الروسية بمعناها المجرد وليس الأيديولوجي، أي بين الأغلبية والأقلية، أغلبية جموع العمال والفلاحين وأقنان الأرض، كما كان يقول أديب روسيا الكبير "فيودور دويستفسكي"، كما ستتشكل من المطحونين والمعذبين في الأرض، أولئك الذين باتوا عبيدا للرأسماليين من الإقطاعيين أصحاب رؤوس الأموال الحالمين بإحلال الروبوتات محل العنصر الإنساني.

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد المتغيرات التي تجعل من الحاجة إلى نظام عالمي جديد أمر واجب الوجود، ما دعا بالفعل البروفيسور الروسي "ديمتري يفستاييف"، إلى أن يتساءل مؤخرا عن محاولة روسيا الاتفاق على نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يحكم العالم.

هل من حاجة إلى يالطا جديدة تولد من رحم التغيرات الجيوبوليتيكة الأخيرة، ومن غير مدعاة لحرب عالمية ثالثة؟
مؤكد أن الزمن لا يعيد نفسه، وعليه فإن سيرورة يالطا لن تمضي بها الأيام من جديد على النحو الذي يتوقعه البعض، ولهذا يبقى الاجتهاد الدولي مفتوحا حول التساؤل الرئيس: "كيف للبشرية أن تبلور نظاما عالميا جديدا أكثر إنسانوية؟
حكما يبقى الانتظار سيد المشهد إلى حين نهاية حالة السيولة الجيوسياسية، وانتهاء فرضية الأزمنة الغرامشية.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية السيولة الجيوسياسية والأزمنة الغرامشية



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:19 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الأسد الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 18:13 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حمدي فتحي يسجل أول أهداف مصر في شباك بوتسوانا

GMT 11:25 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

عسيري يؤكد أن الاتحاد قدم مباراة كبيرة امام الهلال

GMT 00:28 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

كروم 67 يدعم تطبيقات الويب المتجاوبة

GMT 15:41 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سترة الجلد تناسب جميع الأوقات لإطلالات متنوعة

GMT 14:57 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

كليب Despacito يحقق مليار ونصف مشاهدة على اليوتيوب

GMT 18:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على معدات صيد في الدار البيضاء لرجل اختفى عن الأنظار

GMT 21:15 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مباراة الدحيل والريان تحظى بنصيب الأسد من العقوبات

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

الكويت تجدد سعيها لحل الخلافات العربية مع قطر

GMT 02:26 2017 الجمعة ,14 تموز / يوليو

نادي نابولي الإيطالي يكشف عن بديل بيبي رينا

GMT 13:25 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

نفوق اكبر باندا في العالم عن 37 عامًا في الصين

GMT 01:21 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

دور الإعلام خلال مؤتمر "كوب 22" في مراكش

GMT 23:09 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

لجنة الانضباط في الاتحاد السعودي تقرّر إيقاف حسين المقهوي

GMT 13:38 2015 الإثنين ,03 آب / أغسطس

سهو السهو يؤكد وجود احتمالية بنقل خليجي 23

GMT 06:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

مدينة كييف أجمل مدن أوروبا الشرقية لقضاء شهر العسل

GMT 00:57 2017 السبت ,14 كانون الثاني / يناير

عمار الحلاق يكشف مشاكل "الجمباز" في سورية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab