بقلم - جبريل العبيدي
مفاوضات موسكو فشلت لأنها بنيت على جرفٍ هارٍ، كان أساسه تقاسم مصالح تركية روسية تتقاطع من إدلب السورية إلى طرابلس الليبية وغاز المتوسط على حساب الليبيين، في مقابل إعطاء «الإخوان المسلمين» بالتفاوض ما خسروه في الحرب، في ظل تجاهل تام للدور العربي الإقليمي، كما حدث في الصخيرات، حيت تم إعطاء «الإخوان» بالتفاوض ما خسروه في الانتخابات، لأن مسودة موسكو لوقف إطلاق النار كتبت بحبر إخواني.
فشلت مفاوضات موسكو بسبب نقاط خلافية جوهرية، من أبرزها مطلب السراج بانسحاب قوات الجيش الوطني الليبي من مواقعه التي سيطرت عليها في معركة طرابلس، وهو ما رفضه المشير حفتر، بينما رفض السراج تسليم الميليشيات سلاحها للجيش الليبي، كما رفض تجميد الاتفاقية مع تركيا، وطالب وفد حكومة الوفاق غير المعترف بها من قبل البرلمان بانسحاب قوات الجيش الليبي إلى ما قبل 4 أبريل (نيسان)، إضافة إلى إصراره على التمسك بمنصب «القائد الأعلى للقوات المسلحة» وهو المهزوم في المعركة، وهي سابقة تاريخية أن يشترط المهزوم على المنتصر شروط وقف إطلاق النار.
فشل مساعي موسكو قد يكون سببها سوء إدارة موسكو للمفاوضات، على أساس أنها صفقة مصالح بين روسيا وتركيا، متقاطعة بين سوريا وليبيا، بمعنى آخر إدلب مقابل طرابلس. فليس فقط التباينات الكبيرة حول بنود وثيقة تثبيت الهدنة وآليات مراقبتها ما أفشل تفاهمات موسكو، بل محاولة بيع ليبيا في مزاد روسي تركي، حيث رفض الجيش الليبي أن تكون تركيا مراقباً على وقف إطلاق النار؛ لكونها طرفاً في الحرب بتدخلها السافر في الأزمة الليبية لصالح جماعة «الإخوان»، وخاصة بعد تصريحات إردوغان الاستفزازية وقوله إن «ليبيا إرث عثماني قديم نسعى لاستعادته»، معللاً ذلك بشعار خادع وكاذب وهو: «حمايته لليبيين من أصول تركية»، مما يؤجج النعرات والإثنية وتمزيق النسيج، وهو الهدف الحقيقي من تصريحات إردوغان غير المسؤولة.
الأزمة الليبية ما بين موسكو وبرلين كانوا يسعون فيها دائماً نحو تفتيت الأزمة، بدءاً بتثبيت وقف إطلاق النار، ثم تمرير المشروع الإخواني بإعادة إنتاج «اتفاق الصخيرات 2»، بتعديل الأعداد وحصص المحاصصة دون المضمون في برلين القادم.
فالبعض يعول على مؤتمر برلين كخريطة طريق جديدة للحل في ليبيا، وإعادة الحياة لاتفاق الصخيرات بعد مرحلة الموت السريري، فالنظام التركي يطمح لتمكين جماعة «الإخوان» الضالة وباقي جماعات الإسلام السياسي، وأرسل الأسلحة وعلى رأسها الطائرات المُسيّرة إلى ليبيا لحماية هذه الجماعة من السقوط الوشيك، فالدعم التركي للمجموعات الإسلاموية وإغراق ليبيا بالسلاح، جاهر به إردوغان نفسه أكثر من مرة، وقال إن بلاده «ستُسخر إمكاناتها كافة، وستقف بحزم لمنع تقدم الجيش نحو العاصمة طرابلس».
في موسكو، جاء وزراء «السلطان التركي» تصطحبهم غطرستهم وهم يظنون أن إردوغان استطاع أن يجبر المشير حفتر على الحضور إلى موسكو وتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار والرجوع من حيث أتى، ولكن المشير لم يخيب ظن أهله وجنوده ورفض التوقيع المذل ورجع إلى بلاده تاركاً أتباع السلطان التركي وذيوله يتخبطون وتصطك أسنانهم وترتعش أجسامهم من الخوف والبرد في صقيع موسكو.
الذهاب بالأزمة الليبية إلى برلين عجل بفشل مفاوضات موسكو، فرئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، يرى أن مؤتمر برلين لا يزال قائماً. ورغم رفض المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي، التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع حكومة الوفاق، تبقى حقيقة لا يمكن القفز عليها هي أنه لا يمكن لليبيا أن تستقر إلا بدحر الميليشيات، وأن لا مهادنة معهم، فالمهادنة تعني أن ليبيا تصبح عبارة عن حارات كل عصابة تحكم شارعاً.