بقلم - محمد الرميحي
بريطانيا ربما من أقدم الديمقراطيات وأكثرها ليبرالية، من النادر أن تجد رجل شرطة مسلحاً، والنقاش السياسي، خصوصاً أسئلة رئيس الوزراء في البرلمان تذاع على الهواء كل ظهر يوم أربعاء ويشهد الجميع ذلك النقاش الساخن ولكن في حدود الأدب واحترام الآخر.
في السنوات الأخيرة بدأ تجريف تلك الديمقراطية إلى اليمين السياسي بغير رغبة الأكثرية من الناخبين البريطانيين خصوصاً في المدن. الأسابيع الأخيرة تكشف للعالم كم من الانحراف قد وصلت إليه الممارسة السياسية في ذاك البلد العريق.
وزيرة الداخلية في السنة الماضية حتى الأسبوع الماضي من خلفية هندية أفريقية، هاجر والدها من كينيا ووالدتها من موريشيوس اسمها كاسينا برا فرمان (الأخير اسم عائلة زوجها ذو الديانة اليهودية) وصولها إلى الصفوف الأمامية في الحكم، كما وصول رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك ربما دليل واضح على تقدم الليبرالية البريطانية.
إلا أن اللافت أن المهاجرين الجدد بشكل عام أكثر ميلاً لرفض المهاجرين الجدد في أوروبا بشكل عام وفي بريطانيا، فقد وقفت كاسينا موقفاً قريباً إلى العنصرية تجاه المهاجرين إلى بريطانيا، وسحبت إقامة ناشط عربي فقط لأنه أدان ما يحدث في غزة، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ بريطانيا الحديث، زادت أن صرحت بأن (التعددية الثقافية فشلت في بريطانيا) في تناقض واضح لخلفيتها الاجتماعية والعرقية وأيضاً على عكس ما يحدث في المجتمع البريطاني الكبير، إلا أن موقفها من تنظيم مظاهرات متعاطفة مع القضية الفلسطينية، حيث وصفت تلك المظاهرات أنها (مظاهرات كراهية)، قد أفقدتها في نهاية الأسبوع الماضي وظيفتها في وزارة الداخلية البريطانية، الأعجب أنها لم تذهب إلى الصفوف الخلفية للحزب المنتمية إليه، حزب المحافظين، كما هو التقليد السياسي البريطاني العريق، ولكنها كتبت رسالة مفتوحة لرئيس الوزراء قالت فيها كلاماً كثيراً يحمل الازدراء وفي صلبه (أنا التي أوصلتك أن تكون رئيساً للوزراء)!
في الدراسات التي أعقبت خروج بريطانيا من التجمع الأوروبي وجد أنه في الاستفتاء حول ذلك التحول المهم، صوت عدد وازن من المهاجرين بالخروج، خوفاً من فتح باب الهجرة للأوروبيين من الدول الداخلة في الاتحاد! ربما خشية المزاحمة الاقتصادية.
في الأسابيع الماضية وفي النقاش الذي دار حول ما يحدث في غزة، صرح وزير في وظيفة ثانوية في وزارة الظل العمالية، بوجوب (وقف إطلاق النار) أوقف عن العمل مباشرة، في إطار مسايرة حزب العمال للسردية الإسرائيلية، ظناً منه أن الجمهور البريطاني يفقد ليبراليته التاريخية، هذا الأسبوع وفي تصويت حول وقف إطلاق النار، انشق عدد من أعضائه منهم من في حكومة الظل على قيادة الحزب، وصوتوا بوجوب وقف إطلاق النار في إحراج للقيادة العمالية المرتبكة.
الأمر الذي يأخذنا إلى القول إن العنصرية ليست كما هو شائع (موقف البيض من السود أو الملونين) ولكنها ظاهرة اجتماعية سياسية اقتصادية، يمكن أن تصدر من الملونين تجاه البيض ومنهم تجاه بعضهم، ومن أهل الأديان المختلفة تجاه بعضها، أساسه شعور زائف بالتفوق! والتعصب الأعمى!
ما يحدث في إسرائيل تجاه الفلسطينيين هو عنصرية من نوع ما، وما يحدث من بعض (أشدد من بعض) الفلسطينيين تجاه إخوانهم العرب هو أيضاً شكل من أشكالها، كما أن عدم المساواة بين المواطنين في البلد الواحد يحمل شيئاً من العنصرية، بل وحتى التعميم على شعب أو جماعة بصفة معينة من الصفات السلبية هو عنصرية من نوع ما.