لماذا أحمد لا محمود

لماذا أحمد... لا محمود؟

لماذا أحمد... لا محمود؟

 السعودية اليوم -

لماذا أحمد لا محمود

بقلم : د.محمد الرميحى

الديموقراطية التي تعارف عليها العالم، وهي "إدارة البلاد من خلال انتخابات عامة دورية وشفافة" هي نتاج المجتمع الصناعي الحديث، والغربي على وجه الدقة، وبعد طول معاناة وصراع، وهي ليست شكلاً واحداً، فهي تتعدد في الممارسة حتى أكثر بكثير من ألوان قوس القزح، فديموقراطية وستمنستر (البريطانية) تختلف عن "الديموقراطية الجفرسونية" في الولايات المتحدة، كما تختلف عن غيرها.

تتعدد أشكال الديموقراطية في الدول الغربية الصناعية، وتختلف جزئياً في الشرق، كما في كوريا الجنوبية أو اليابان أو سنغافورة، إلا أن بين كل تلك الممارسات المختلفة الدرجات في تفاصيل التطبيق، ثمة مشترك أعظم وهو "السعي الجمعي إلى تحقيق الخير العام"، ومن خلال قواعد قانونية معلنة للجميع ومراقبة من الجميع، ومطبقة على الجميع، تنفصل فيها السلطات وتستقل عن بعضها البعض وتتعاون في الوقت نفسه.

تبنت بعض الدول في العالم الثالث، وفي بلداننا العربية، فكرة "الديموقراطية"، ولكنها في الأغلب الأعم فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق "الخير العام". هي تمارس صناديق الانتخاب، والتصويت العام، ربما أيضاً دورياً، ونظرياً ثمة فصل بين السلطات، ولكنها لم تحقق للمواطن ما يصبو إليه، وهو يشاهد كيف تعمل الديموقراطية في فضاء العالم المحيط الذي لم تعد فيه من الحواجز ما يمنع الاطلاع والدراسة ومشاهدة النجاحات المحققة.

فشلت "الديموقراطية" في الدول العربية عامةً، رغم ادعاء أصحابها بأنها "ممارسة صحيحة"، هذا الفشل لأنها اتجهت إلى تحقيق "الخير الخاص"، أكان ذلك الخير طائفياً (كما في لبنان) أو حزبياً (كما في العراق) وأيضاً في تجربة تونس، أو عائلياً وشخصياً كما في تجربة الكويت، كل هذه التجارب فضلت "الخير الخاص" وتجاهلت تماماً "الخير العام".

القضايا التي تطرح في الفضاء العام للديموقراطيات المتقدمة هي قضايا عامة، كمثل إصلاح التعليم، أو تطوير الصناعة أو العناية بالخدمات الطبية وتوفيرها للجميع، أو تشييد بنية تحتية وطرق مواصلات، أو ترقية الثقافة، أو تطوير التشريعات المناسبة لاستقطاب رأس المال، أو تطوير السياحة، أو جودة الحياة، والتي تعود في جملتها على كل أفراد المجتمع بالفائدة، وإذا خرج أحد السياسيين عن القواعد العامة، أُخرج من النظام، إما إلى السجن أو النسيان!

في التطبيق العربي تجد أن الدخول في المعترك "الديموقراطي" هو بدافع فردي، أو بالكثير بدافع مجموعة سياسية أو فئوية، فترى أن الكثير ممن يدخل الساحة، فجأة وبقدرة قادر يتحول "من مديونير إلى مليونير"! وأمام الجميع، إما من خلال الحصول على تسهيلات لمولاته الدولة، أو لأنه يسهّل لأهل السلطة ما يريدون أن يمرروه، كما أن جهد أغلبهم ينصبّ على الحصول على مناصب في الدولة أو الشركات التابعة لها للأهل والأصحاب والمساعدين.

لذلك ينتشر الإحباط من الممارسة، ويُشاع أن فكرة "الديموقراطية" هي طريق الفساد من خلال "استخدام سلطة لتحقيق مصالحة خاصة".

الإحباط الذي ينشأ من تلك الممارسة في الشارع الوطني في الغالب ينصبّ على من "انتخبهم الناس"! وتكال لكثير منهم التهم، ويُحمّلون كل مسؤولية فشل التجربة، أكانت طويلة في الزمن أو قصيرة، ويُعاب على الفكرة لا على الممارسة.

إلا أن الموضوع برمّته يحتاج إلى إعادة تفكير، فعلى الرغم من أن الديموقراطية (بمعناها العام) هي أفضل أسوأ أنواع الحكم كما يردد، إلا أن الأساس في انحرافها عن مقاصدها، جزء منه يتحمله الممارسون، بسبب ضيق مخيلتهم السياسية، أو شراهتهم للمال، والجزء الأكبر يتحمله واضع قواعد اللعبة.

فتلك القواعد لا تترك للمرشحين أو اللاعبين السياسيين أي فرصة لتطوير قواعد اللعبة. يقوم متخذ القرار بتغيير القواعد كما تحددها مصلحته، وعندما يصب الناس جام غضبهم على "اللاعبين" السياسيين، يصبح ذلك في مصلحة واضع قواعد اللعبة. فكلما ازدرى الناس مخرجات تلك الممارسة، أصبحوا أقرب إلى القناعة بأنها لا تساوي ثمنها، والتخلص منها أفضل، ويُترك لصاحب قواعد اللعبة الأمر والنهي، فينتهي الأمر إلى شمولية عمياء.

الممارسون، لأسباب كثيرة - مصلحية أو تدني وعي أو جهل أو أسباب أخرى - لا يشرعون جدياً في تغيير قواعد اللعبة، وفي الواقع تغيير تلك القواعد ليس سهلاً، لأن صاحب تلك القواعد يريد أن يستثمرها لمصلحته وذلك طبيعي!

هنا تكمن أزمة الديموقراطية العربية وفشلها التام في تحقيق الخير العام، لذلك تجد أن معظم النقاشات في بلداننا العربية التي تمارس "الديموقراطية العرجاء" ينصبّ على التوافه من الأمور، وتشيع الاختلافات بل والمشاجرات بين ممثلي الأمة، بالتالي يتوجه كثير منهم إلى تحقيق الممكن من "الخير الخاص"، وكلما كثر هؤلاء سعد واضع القواعد وسهّل أيضاً لهم الحصول على "الخير الخاص" من أجل زيادة الازدراء الشعبي لشخوص وأعمال بعض من يروم الإصلاح، بل إن الأفراد الذين يحاولون الإصلاح (وهم قلة القلة)، تطلق عليهم القوى المتعاملة مع واضع قواعد اللعبة الشائعات، وتتهمهم بتزوير الحقائق وتشويه المقاصد، من أجل تعطيلهم وتعويقهم ومن ثم إبعادهم من المشهد.

يقول لسان حال واضع القواعد "تريدون الديموقراطية .... خذوها واشبعوا... تخلفاً".

إذاً دون وعي لهذه الآلية الجهنمية، فلا تقدم ولا تطوير للمجتمعات، وسوف تبقى ديموقراطيتنا تراوح بين: لماذا أعطيتم أحمد تلك الوظيفة، وتجاوزتم محمود... إلى أن يرث الله الأرض!

الإشكالية التي يتجاوزها الجميع، ويصرفون النظر عنها، هي أن كل تجارب العالم الثالث "الديموقراطية المُعوّقة" والتي عملت على تعظيم المصالح "الخاصة" وتجاوزت المصالح العامة، لم يتمكن أي أحد منها الاستمرار أو حتى الهبوط الناعم، كلها "هوت" بعنف!!

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا أحمد لا محمود لماذا أحمد لا محمود



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"

GMT 23:45 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

تعرف على حكم قراءة الفاتحة في "صلاة الجماعة"

GMT 22:30 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يبرر تواصل ليوناردو بونوتشي مع كونتي

GMT 00:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

حقيبة اليد تضيف المزيد من الأناقة للرجل في 2018

GMT 02:50 2016 الإثنين ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ياسين الصالحي يتمسك بالطرق القانونية للانتقال إلى "الكويت"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab