القومية الشقية نظرة خارج الصندوق

القومية الشقية: نظرة خارج الصندوق!

القومية الشقية: نظرة خارج الصندوق!

 السعودية اليوم -

القومية الشقية نظرة خارج الصندوق

بقلم - محمد الرميحي

ربما أشقى قوميتين في العالم اليوم هما القومية الفلسطينية والقومية الأوكرانية، كلتاهما تتعرض لاحتلال وكلتاهما رغم المواقف العالمية المتعاطفة معهما بدرجات مختلفة، لا يبدو أمامها طريق إلا أن تسلّم بالواقع، بصرف النظر عن العواطف.

الحرب في أوكرانيا تعدو سريعاً إلى عامها الثاني، وتتكبد أوكرانيا، شعباً ودولةً وبنيةً تحتيةً، الكم الضخم من الخسائر في الأرواح والمعدات، وبصرف النظر عن الحق أو الباطل، فإن صراع الشعوب ليس بالضرورة ينتهي بأن ينتصر الحق على الباطل، في الكثير من تجارب التاريخ، الباطل أيضاً ينتصر على الحق، فالحق والباطل نسبيّان وليسا قطعيين.

تراهن روسيا على نتائج الانتخابات الأميركية العام القادم 2024، وترغب أن ترى سيناريو عودة دونالد ترمب إلى السلطة في البيت الأبيض. ذلك احتمال لا يتوجب صرف النظر عنه، حتى لو لم يصل ترمب إلى السلطة ووصل أحد مرشحي الحزب الجمهوري، الذي يعتقد قادته أن نصرة أوكرانيا بهذا الحماس خطأ سياسي، فإن المعادلة سوف تختلف في أوكرانيا، وربما يضاف إلى ذلك سيناريو آخر، هو وصول القوى المساندة لأوكرانيا في الغرب إلى مرحلة «الإرهاق» السياسي، وقد ظهر بعض تجلياته في أوروبا الغربية، ويزداد في الدول القريبة من أوكرانيا، ولكن ليست هي فقط، فحتى بعض شرائح النخب الأميركية بدأت علناً تتحدث عن التكاليف الباهظة لنصرة أوكرانيا على المدى الطويل، والمؤشرات واضحة في معظم الاقتصاد الأوروبي الذي أصبح يعاني تراخيَ الاقتصاد وإدمان الدَّين، وترتفع تكاليف المعيشة في الدول الأوروبية مع ارتفاع في نسبة البطالة في سوق العمل.

ليس جديداً لدى القوة الغربية التخلي عن شعاراتها وخطبها الكثيرة في «نصرة الشعوب» أو «الدفاع عن الديمقراطية». لدينا مثالان: الأول قبل عقود في الحرب الفيتنامية التي خسرتها الولايات المتحدة، كما يقال، في «صالونات المنازل»، حيث كان التليفزيون، وهو الوحيد الشائع وقتها في التواصل الاجتماعي، ينقل كل ليلة أخباراً «غير سارة» حول الخسائر الأميركية، وانتهاء الأمر بمشهد كاد يتكرر، وهو ارتفاع طائرة الهليكوبتر الأخيرة مغادرةً من مبنى سفارة الولايات المتحدة في سايغون، وترك آخرين يكادون يتشبثون بعجلات تلك الطائرة. ونفس المشهد بتفاصيل أخرى شهده العالم عندما تشبث بعض الأفغان بأجنحة الطائرات الضخمة المغادرة مطار كابل، وسقوط الجثث من على سطحها بمجرد ارتفاعها في الجو.

الديمقراطيات الحديثة تخسر حروبها في الداخل، ذلك ما يراهن عليه الكرملين في حربه في أوكرانيا. وعلى الرغم من خروج نسبة معقولة من الشباب الروسي من بلاده بمجرد دخول الحرب خلال أشهرها الأولى في «المراوحة»، فإن ذلك التذمر من الحرب لم يتوسع، حتى في عصيان قيادة فاغنر «القوة العسكرية» المرتزقة التي صنعتها موسكو لم يحدث الانشقاق الداخلي الذي توقعته التحليلات الغربية، بل ربما تلاشى خطره بعد مقتل بريغوجين، قائد تلك المجموعة المرتزقة، شر قتلة!

من جانب آخر فإن الفشل النسبي لما رُوِّج له كثيراً من «الهجوم الصيفي المعاكس» للأوكرانيين ضد القوات الروسية، أضاف ثقلاً جديداً على أن الحرب لن يكون فيها منتصر واضح أو خسارة واضحة، وكلما طالت تكلَّفت الاقتصاديات العالمية الكثير من النزيف، لذلك نجد أن هناك حديثاً شبه جدّي لعودة موسكو إلى النظام المالي العالمي (سويفت) من أجل تسهيل تسويق الحبوب الروسية والأوكرانية على السواء، الأمر الأخير لم يَرُقْ لكييف (العاصمة الأوكرانية) ولكن ليس لديها أي أدوات لمنعه.

لهذا فإن الحديث في بعض الأوساط الأوروبية أن «الدرس قد وصل إلى موسكو» بمنعها من التوسع، ولا بأس من ترك الجزء من أوكرانيا الذي يتحدث الروسية والملاصق للحدود الروسية، والذي يحتله الآن الجيش الروسي لروسيا مقابل كف يدها عن الأراضي الأخرى، ودخول أوكرانيا في السوق الأوروبية وربما في وقت لاحق إلى حلف الأطلسي.

هل ثمة رابط بين احتلال روسيا لأوكرانيا واحتلال فلسطين؟ يبدو، مع بُعد الموقع الجغرافي، إلا أن السياسات تقريباً متشابهة، فالصف الفلسطيني منقسم بين الضفة و«حماس»، ولا يخلو الاثنان من شيء من الفساد الداخلي، إلى جانب أن الشِّقاق فلسطيني وتاريخي وعسير، فهو ينتقل حتى إلى المنافي، ومخيمات اللجوء، كما حدث أخيراً في مخيم «عين الحلوة»، إلى جانب الانصياع من جماعات فلسطينية لأطراف متنازعة في الشرق الأوسط، وبين العرب، كما أن الملاحَظ أن هناك انحساراً في المناصرة منذ اتفاقية كامب ديفيد «أنور السادات، ومناحم بيغن، عام 1978»، من ثم اتفاق أوسلو «عرفات، ورابين، 1993» منذ ذلك الوقت والاعتراف الدولي بإسرائيل يتوسع.

كما أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على وجه الخصوص فوّتا فرصتين على الأقل: مبادرة إسحاق رابين، التي كانت تعطي الفلسطينيين بعض الحقوق، وقُتل على أثرها أول رئيس حكومة إسرائيلية على يد متطرف إسرائيلي عام 1995. والفرصة الثانية كانت خطة أولمرت (رئيس وزراء 2006 – 2009) التي أيضاً لم تُقبل، وكان أول رئيس وزراء يُسجَن في إسرائيل بسبب الفساد.

في السياسة لا توجد عواطف، توجد مصالح وحقائق على الأرض، في الحالتين الأوكرانية والفلسطينية هناك تصور لدى بعض القيادات أن القادم يمكن أن يحمل الأفضل، إلا أن ذلك قد يكون أملاً أكثر منه واقعاً، فرغم التضحيات التي يقدمها الشعب الأوكراني أو الفلسطيني، وهي لأي متابع ظاهرة للعيان، وبالغة القسوة من الطرف الآخر، فإن الزمن ليس بالضرورة يتوجب أن يراهَن عليه؛ فإسرائيل رغم كل المشكلات الداخلية سوف تظل مدعومة من الولايات المتحدة، ليس بسبب إسرائيل ولكن، وهو الأهم، بسبب التفاعلات السياسية الداخلية الأميركية، كما أن دول العالم تمد جسور التعاون مع إسرائيل من الصين إلى روسيا إلى الهند وغيرها، كان بعضها معارضاً شرساً في السابق لسياساتها.

افتراض أن القادم هو الأفضل في الحالتين، افتراض غير واقعي، والتاريخ يُعلّمنا أن الأمر ليس بتلك البساطة، فالعدل والحقوق نسبيّان، خصوصاً على المستوى الدولي، وبناء الآمال على عواطف، غير بناء السياسات على تحليل علمي رصين. إنها معاناة القومية الشقيّة في عالمنا.

آخر الكلام:

في السياسة الحق فيه شيء من الباطل، والباطل فيه شيء من الحق!

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القومية الشقية نظرة خارج الصندوق القومية الشقية نظرة خارج الصندوق



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"

GMT 23:45 2018 السبت ,30 حزيران / يونيو

تعرف على حكم قراءة الفاتحة في "صلاة الجماعة"

GMT 22:30 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

ميلان يبرر تواصل ليوناردو بونوتشي مع كونتي

GMT 00:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

حقيبة اليد تضيف المزيد من الأناقة للرجل في 2018

GMT 02:50 2016 الإثنين ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ياسين الصالحي يتمسك بالطرق القانونية للانتقال إلى "الكويت"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab