بقلم : د.محمد الرميحى
من حق السيد حسن نصرالله وحزبه عدم الدخول في الحرب القائمة بين "حماس" وإسرائيل، فهي حرب شعواء ومكلفة ودموية يسقط فيها طفل كل عشر دقائق مقتولاً وميتاً بجروحه، وتستخدم فيها أسلحة التجويع ومنع الدواء والكهرباء، إلا أنه من جانب آخر من حق المتابعين أن يستخدموا عقولهم لفهم ما يجري من تردد يصل إلى الممانعة.
القول إن الحزب لن يدخل المعركة حفاظاً على لبنان واللبنانيين وما بقي من الدولة قول منطقي، إن قيل، وغير المنطقي القول إننا لن ندخل الحرب لأن "حماس" لم تبلغنا قبل اتخاذ قرار الهجوم، أو شيء من هذا التبرير. واضح أن الكثير من المتكلمين باسم الحزب أو المقربين منه في الفضائيات والكتابات، لأسباب كثيرة شخصية واستزلامية، طفقوا يقدمون التبرير تلو التبرير على الشاشات وعلى المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي تفسيراً لهذه الممانعة، وبعضهم أراد أن يأخذ الملف إلى مكان آخر، فخرج علينا صاحب محطة تلفزيونية (من دون احترام لعقول الناس) بالقول، إن دولاً عربية سماها، طلبت أن تقفل محطته، بسبب مناصرتها للمقاومة، وهي أي المحطة كما يعرف الجميع تموّلها قوى خارجية "ممانعة" ظناً من المتكلم أنها مشاهدة! وهي لا يشاهدها إلا المناصرون!
لا أحد من المتابعين في السنوات الأخيرة لم يسمع أن "حزب الله" وإيران و"فيلق القدس" خزّنوا السلاح الضخم الذي تصل نيرانه إلى النقب، وأعدّوا الشباب من أجل اليوم الموعود (يوم هدم بيت العنكبوت) والذي هو إسرائيل، ولو فعلوا ذلك في الأيام الأربعين الأخيرة مع هدم غزة وزهق أرواح أبنائها، لحققوا هدفين كبيرين وتاريخيين، رغم احتمال الدمار في لبنان. الهدف الأول هو تقصير فترة الحرب وإنقاذ آلاف الغزاويين من القتل أو الموت، وقتها، مع ذلك الافتراض، سيكون العالم كله مجبراً على الدخول على الخط، بمن فيه مجلس الأمن، والهدف الثاني تقريب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
لكن المقاومة بأطرافها الداخلية والخارجية، وبكل سلاحها أرادت أن تقف شبه متفرجة في عملية تكشف الفرق بين المقاومة والمقاولة وتحقق بعض الفوائد للراعي الأكبر للمقاولة، طهران! ذلك الموقف نفعي كامل الشروط، لأن احتفاظ الحزب بالسلاح يحتم أن الجولة القادمة لإسرائيل هي الجبهة الشمالية، في حال نجاحها في تدمير "حماس" وكسر إرادة الفلسطينيين، فلماذا لا تدمر الحزب أيضاً!!
قوى المقاومة المؤتمرة بأمر طهران ليست أكثر من "مخلب مسلح" ضد أبناء جلدتها، فالحقيقة الناصعة لأي عاقل أنه لولا سلاح "حزب الله" ومشروعه في قتل المعارضين وابتزاز الآخرين في الداخل وتخويفهم والعمل رأس حربة لمشاريع الممول في الخارج، لما استطاع أن يتحكم بمقدرات لبنان الذي أصبح دولة فاشلة بكل ما تعنيه الكلمة، وهو يرزح الآن تحت الفقر والفاقة والقهر من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وليس جديداً أن من يحرك كل الأدوات السياسية في الداخل هو الحزب الذي يخضع الدولة المشلولة إلى رغباته، وبالتالي أراد أو لم يرد يحقق مشروع إسرائيل، في الإشارة إلى الفشل الذريع في نجاح الدولة ذات المكونات المختلفة في داخلها.
وجهة النظر السابقة لن يسمعها بالتأكيد ولن يقتنع بها المساندون، وقد تم طوال الأسابيع الأخيرة ضخ كم من التحليلات من قبل إما موالين أو خائفين أو متزلفين لتبرير موقف المقاومة (المقاولة) وصل ببعضهم إلى حد التزييف الزائد إلى درجة أن ينقلب قولها ضدهم، كقول أحدهم مبرراً عدم فتح الجبهة اللبنانية، إن جماعة "حماس" في سوريا قبل سنوات هم من قتل أفراد الحزب! بالمناسبة، الحزب لم يتأخر في قتل السوريين لأن "تحرير القدس يمر بالقلمون" في خطاب منشور وغير منكر، أو قول آخر "الشاشان قادمون إلى الجنوب". أما الفاقع فقول آخر "الحزب سوف يدخل الحرب بأعين مفتوحة"، وكأن الحروب تخاض بعيون مغلقة!
ما يحدث في غزة من تصفية وقتل وتشريد وتجويع، وفي بشاعة غير مسبوقة وهو يرقى إلى "هولوكوست" حديث ومقنن بامتياز، وما سوف يعقبه من أهوال، يضع كل الشعارات المقاومة موضع التجميد، والأحرى أن يغير اسم فيلق القدس إلى فيلق القلمون، أو أي مدينة سورية تم تخريبها على رؤوس أهلها من "التحالف المقاوم".
هناك فئات وجماعات سوف تبحث عن تبريرات لهذا التقاعس، وسوف تضع اللوم على الآخرين أو على تهديدات أميركية "ليس لنا قبل بها"! أو "أننا نشارك في المعركة وقد غيرنا وحدة الساحات إلى (الساحات المساندة)"، وهو لعب على الكلمات والمفاهيم! فلن تجدي نفعاً صواريخ الحوثي أو الطائرات المسيرة للحشد الشعبي العراقي الموالي لطهران في تغيير المعادلة، كل ذلك ذر الرماد في العيون!
الملف برمّته يطرح حقيقة وهي أن كل هذه التضحيات التي تحمّلها لبنان واللبنانيون كل هذه السنوات، وقد خرب اقتصادهم واختل أمنهم، وتراجعت كل الإنجازات التي حققوها منذ الاستقلال، اتضح أنها تضحيات من أجل سيطرة فريق بقوة السلاح على مقدراتهم، والأولى في هذه الظروف الحالكة تحرير لبنان من السلاح الميليشيوي تمهيداً لحفظه وشعبه من صلف إسرائيلي قادم. أما الفلسطينيون فسيظل جرحهم ينزف!