بقلم - أمينة خيري
دائما ما تطمئننا الأحداث الفادحة والأزمات الطاحنة أننا مازلنا بخير. إنها أحد الأعراض الجانبية الإيجابية للأزمات والأوقات الصعبة. بين أزمة وضحاها، تتبدل أولويات الناس وتتغير اهتماماتهم، وبدلا من الاكتفاء بهموم اقتصادية تجدهم يصبون جل اهتمامهم على أزمة مختلفة تماما، لا تطالهم مباشرة بالضرورة، لكنها الطبيعة الإنسانية الرائعة، وفطرة التعاطف المذهلة اللتان دائما يظهرهما المصريون. دعوات المقاطعة التى طالب بها البعض، والكثير منها لخدمات ومنتجات مصرية المصدر وتفتح بيوت ملايين المصريين، لكن هذا ليس موضوعنا، هى دعوات تعكس تضامنا وتعاطفا رغم مصاعبنا الاقتصادية وهمومنا المعيشية. لذلك بدأت هذه الأسطر بأن الأزمات كثيرا ما تدفعنا دون أن ندرى إلى إظهار أحسن ما لدينا، وتثبت أننا مازلنا متفردين فى الإنسانية والتعاطف. هذه الدعوات التى تمت كتابتها، ومن ثم تشاركها ملايين المرات، قد تسفر عن خسارة الكثيرين منا نحن المصريين لوظائفهم ومصدر رزقهم فى المحلات والخدمات التى يتم تداولها عبر منصات الـ«سوشيال ميديا»، صاحبها أيضا تشارك لمنشورات عن فرص وظائف لا أول لها أو آخر فى شركات ومصانع مصرية يفترض أنها المنافس للخدمات والسلع المطلوب مقاطعتها.
وهذا أمر عظيم وجميل. لكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا يتعلق بالمسؤولية الأخلاقية لتشارك تدوينات أو منشورات لا يعلم إلا الله وكاتبها الأصلى مدى مصداقيتها. وهل هى فعلا تحمل معلومات حقيقية صادرة عن الشركات المكتوبة أسماؤها بالفعل؟، أم هى معلومات لا أساس لها من الصحة وأرقام هواتف من وحى الخيال لشركات موجودة على أرض الواقع فعلا، لكنها لا تدرك أن أحدهم- سواء بوازع نجاح المقاطعة أو لأسباب لا يعلمها إلا الله- قرر أن يقوم بها العمل؟ كل المطلوب هو قليل من التدقيق، وكثير من التفكير فى وضع عامل أو موظف يتم الاستغناء عنه فى الشركة أو المطعم أو المصنع المراد مقاطعته، أو لأنه، شخصيا، مقتنع بفكرة المقاطعة، ثم يفاجأ بأن بعض هذه المنشورات غير صحيحة، أو غير دقيقة؟ وهذا يعيدنا إلى فكرة «الهبد العنكبوتى» بشكل عام، وهو الهبد الذى يمكن أن يؤدى إلى كوارث مميتة سواء بنشر أخبار كاذبة أو معلومات مفبركة أو تحليلات تقوم على خيالات، بعلم صاحبها أو بدونه. وجميعنا يتعرض على مدار الساعة للعنة الـ«منقووووول» الذى يطاردنا عبر سرديات وقصص الأولين وحكايات الحديثين ونصائح ما أنزل الله بها من سلطان ومعلومات الكثير منها من وحى الخيال، ويتم تدويرها وإعادة تدويرها لتخلق واقعا افتراضيا يغزو الواقع الحقيقى بدقة زر غير مسؤولة. فى بدايات العصر الرقمى كان العالم يتحدث عن محو الأمية الرقمية، أى نشر ثقافة البحث والتدوين الرقمى بين الجميع، وفى القلب منها ثقافة التدقيق، مع العلم أن القول بأن منشورا ما «منقوووول» لا يعفى من المسؤولية الأخلاقية.