بقلم - زاهي حواس
هناك العديد من التساؤلات سواء من العامة أو بعض العلماء حول كيفية بناء الأهرامات، ونعرف أن هرم الملك خوفو، أو ما يُعرف بالهرم الأكبر، هو الهرم الذي تدور حوله جل التساؤلات. وقد قال البعض إن هذا الهرم بناه قوم قدموا من الفضاء أو من القارة المفقودة أطلانتس!، ومنهم مَن يقول إن الهرم هو مخزن للحبوب منذ عهد يوسف، عليه السلام!، وآخرون يقولون إن وظيفة الهرم هي توليد الكهرباء!، وهكذا نرى العديد من (الخزعبلات)، التي ليس لها أساس من الصحة، والتى تدور حول الأهرامات المصرية. أما الموضوعات التي يجب دراستها فهى الخاصة بعملية اختيار موقع بناء الهرم أو مكان مربع المساحة للبناء، وكيف يتم تمهيد القاعدة؟، وكيف تحدد زاوية الميل والطريق الصاعد، والمحاجر، وقطع الأحجار، ونقلها، واختيار عمال المحاجر، والمونة المستخدمة، وكيفية تقطيع أحجار الجرانيت، وعملية شحن وتفريغ السفن، ووضع الكساء الخارجى؟.
هنا يجب أولًا أن نقوم بعرض بعض النظريات حول بناء هرم الملك خوفو لكى نفهم هذه المعجزة المعمارية غير المسبوقة. جاء لبسيوس الألمانى إلى مصر عام 1840م، وقد استرعى انتباهه- أثناء دراسته العناصر المعمارية الداخلية لهرم الملك زوسر المدرج بسقارة وهرم سنفرو بميدوم وكذلك أهرامات أبوصير- وجود طبقات متراصّة على جوانب هذه الأهرامات، ولاحظ أن طبقات الكسوة لهرم ميدوم مائلة، ونشر نظرية مفادها أن أكثر الأهرامات أو كلها تم بناؤها عن طريق الطبقات، التي تتلو بعضها البعض وتميل كل طبقة على ما قبلها. وشبّه ذلك بأوراق البصلة. وقد دعم بعض العلماء تلك النظرية في البناء عن طريق الطبقات المتتالية المائلة. ولم يساند الإنجليزى فلندرز بترى نظرية طبقات البناء المائلة فوق بعضها البعض، كذلك لم ينقضها أو يضف رأيًا آخر خاصًّا بالمعبدالجنائزى، الذي كان كثيرًا ما يُهدم ويُبنى مرة أخرى في حالة وجود توسعات في بناء الهرم. وهذا لم يحدث غير مرة واحدة عندما تم تغيير زاوية بناء الطريق الصاعد لهرم الملك خوفو في العام الخامس من حكمه، لذلك تم توسع بناء المعبدالجنائزى. أما النظرية التي يقول أصحابها إن حجم الهرم يزيد كلما طال حكم الملك فهى نظرية غير دقيقة!، خاصة إذا ما نظرنا إلى الملك بيبى الثانى، الذي حكم حوالى 90 عامًا، ولم يبنِ سوى هرم صغير الحجم بالمقارنة بأهرامات ملوك آخرين لم يعمروا مثله. كذلك فإن طريقة بناء الأهرامات عن طريق الطبقات المتتالية المائلة غير منطقية لأنه لا يمكن رفع الأحجار إلى الارتفاع المطلوب. وهناك أيضًا نظريات بورخاردت عن أهرامات الأسرة الخامسة، وكذلك نظريات كلارك وإنجلباخ، وكلها نظريات لم تعد مقبولة الآن.
أما عن موضوع الآلات التي استعملها المصرى القديم في قطع الأحجار، فمازال البعض يعتمد فقط على ما قاله لنا هيرودوت وسجله خلال زيارته لمصر، على الرغم من أنه حصل على هذه المعلومات من الأدلاء أو التراجمة الذين رافقوه، وهى ليست أكثر من قصص وحكايات مسلية لإثارة خيال الزائر، وبالتالى نَيْل إعجابه وماله أيضًا. وقد ذكر شامبليون أن هناك وديعة أساس، تعود إلى الدولة الحديثة، عُثر داخلها على أدوات من الخشب، هي عبارة عن نموذج مصغر لما يشبه المزلاجات، وهذا النموذج يحتوى على قاعدة مستديرة الشكل، وقد سمى ليجران هذه الآلة باسم المصعد المتأرجح، وكانت هذه الآلة تعمل بالطريقة الآتية: تُثبت قطعة من الحجر على المزلاج بواسطة حبال، ثم تتأرجح نتيجة تحريكها على لوح من الخشب يوضع أسفله، ثم يُهز عكس الاتجاه، ثم يتحرك الحجر لبضعة سنتيمترات، وهكذا يتحرك من درجة إلى أخرى، أو من مدماك إلى آخر. وأعتقد أنه من الصعب قبول هذه النظرية لنقل أحجار الأهرامات الضخمة.
لاحظ عالِم المصريات الألمانى هولشر- أثناء عمله بجوار هرم الملك خفرع- وجود فتحات عميقة محفورة في بعض كتل الجرانيت. وأعتقد أن هذه الفتحات كانت مستعملة كنقطة ارتكاز لآلات الرفع!، ولاحظ أيضًا وجود مجموعات من الفتحات على الأرضية حول الهرم، وهى دائرية الشكل بقطر ٢٥ سم، ومحفورة في صفين أو ثلاثة صفوف متتالية. واتضح لنا بعد ذلك أن هذه الفتحات كانت مستخدمة عن طريق المصريين القدماء لضبط قاعدة الهرم المربعة. أما العالِم الألمانى لويس كرون فقد رفض أولًا إمكانية استخدام الممرات الصاعدة المتعامدة على واجهة الهرم لأن بناءها سوف يحتاج نفس المدة التي يحتاجها بناء الهرم!، لذلك اقترح وجود نظام آخر من الرفع. وأسس نظريته على فكرة نظام الشادوف، الذي يستخدمه إلى الآن الفلاح المصرى لرفع الماء. وقد عرف قدماء المصريين آلة الشادوف بنفس التصميم الذي نعرفه الآن، أي رافعة أفقية متحركة موضوعة على مسافة غير متساوية على عمود ثابت.
وقد عرض حديثًا بوب براير نظرية تشير إلى أن المنحدرات الحقيقية يمكن لها أن تمثل لغز بناء الهرم الأكبر، وقد بدأ براير نظريته بتقديم النظرية التي وضعها هيرودوت، والذى ذكر وجود الآلات لرفع الكتل، وهو ما يعنى في الغالب فكرة الروافع، وبعد ٣٠٠ عام من زيارة هيرودوت، كتب تيودور الصقلى أن الهرم تم بناؤه بواسطة ثلاثة منحدرات. وقد عرض نظرية المنحدر أو الطريق الصاعد ونظريات الروافع، وهذه النظرية الأولى في رأى «براير» تشير إلى أنه تم بناء طريق صاعد لنقل الأحجار على أحد جوانب الهرم. وكلما زاد ارتفاع الهرم ارتفع الطريق معه، بحيث إنه بطول الهرم يتم نقل الكتل حتى القمة. وإذا كان المنحدر شديد الانحدار والميل فإن الرجال الذين يسحبون الكتل لن يستطيعوا جرها لأعلى، لذلك لا بد من ميل مناسب ليس بشديد الانحدار، الأمر الذي يعنى وجود طريق إمدادات عبارة عن منحدر طويل وضخم بهضبة الجيزة، وإذا كان وجود منحدر كهذا له حجم أضخم من حجم الهرم نفسه أمرًا حقيقيًّا، فإن الأمر سوف يضاعف عدد العمال، بل الوقت المطلوب لبناء الهرم!، ولأن نظرية استخدام منحدر مستقيم ليست مطروحة حاليًا، فإن العديد من العلماء والخبراء يفضلون نظرية وجود المنحدر الملتف حول الهرم، في إشارة إلى أن الطريق أو المنحدر يلتف حول الهرم من الخارج، مثل الطرق الملتوية التي تلتف حول الجبل لتصل إلى قمته. يبدو أن الكفة تميل نحو تصديق وجود المنحدرات الملتوية هذه، أكثر من نظرية المنحدرات المستقيمة الضخمة، خاصة أن المنحدرات الملتوية تفسر عدم وجود أي بقايا لها بجوار الهرم، حيث كان من السهل التخلص منها بمجرد انتهاء بناء الهرم، وإن كان هناك خلل في تلك النظرية لأنه مع وجود المنحدر الملتوى الصاعد حول الهرم من الخارج فإنه لن يتم بناء الأركان حتى الانتهاء من المراحل النهائية من العمل!، في حين أنه كان لابد من إعادة زوايا الأركان من أجل حماية نقاط الارتكاز بقمة الهرم. وقد أشار ديتر أرنولد، في كتابه عن البناء في مصر القديمة، إلى أنه خلال فترة البناء عمومًا يتم دفن الجزء الأساسى للهرم تحت المنحدرات، وهو ما جعل المصريين القدماء لا يقومون باستخدام الأركان الأربعة والحواف وحدود الهرم في قياساتهم. لذلك، فإن نظرية المنحدر أو الطريق الصاعد الملتوى تتضمن مشكلة خطيرة في رأى «براير»، أما النظرية الثانية فتركز حول فكرة هيرودوت، التي ذكرناها من قبل في استخدام آلات وروافع. هذه التقنية نراها في بعض مناظر المقابر، مثل مناظر الرى بالشادوف، وبالتالى نفترض أن هذا الأسلوب كان معروفًا لدى العمال بناة الأهرام. وتشير الفكرة إلى أنه تمت الاستعانة بالعديد من الروافع في مستويات مختلفة من الهرم، وذلك لرفع الكتل. ولكن هناك مشكلة واحدة تحيط بتلك النظرية، على حد قول «براير»، وهى ضرورة استخدام كميات هائلة من جذوع الأشجار لعمل الروافع، في الوقت الذي نعرف فيه عدم توافر الغابات في مصر لتوفير تلك الأخشاب. وهناك عيب آخر في تلك النظرية، وهو أنه لا يوجد مكان لوضع تلك الروافع عليها، فقد كانت أحجار الهرم تقل في الحجم كلما ارتفع البناء، لذلك فإن نظرية الروافع لا تسمح بشرح كيفية نقل الأحجار ورفعها.
هناك نظرية أخرى، وهى نظرية المنحدر الداخلى، التي عرضها الفرنسى جان بيير هودين، وهو مهندس فرنسى أمضى سبع سنوات من حياته في عمل نماذج مفصلة على الكمبيوتر للهرم الأكبر وعن طريق النموذج ثلاثى الأبعاد وعمله ببرنامج dassault، بالإضافة إلى نظرية المهندس هنرى هودين الأب، توصل الابن إلى أنه تم استخدام منحدر لرفع أحجار الهرم إلى القمة، في حين مازال هذا المنحدر موجودًا داخل الهرم نفسه. وهنا أود أن أعرض النقاط التي تخص هذه النظرية:
- البناء يبدأ من داخل الهرم بعمل قاعدة- البناء يتم في مستويات أفقية، وذلك لتسهيل عملية البناء- أحجار الكساء توضع أولًا حتى يتم إحكام السيطرة على زوايا الهرم- بعد أحجار الكساء توضع أحجار مستوية، وخلفها يتم الحشو بأحجار غير مستوية- يوجد خارج الهرم منحدر خارجى أو طريق إمدادات واحد في الجانب الجنوبى فقط، دائم، ومتغير الحجم وزاوية الانحدار ليناسب البناء، الذي يرتفع باستمرار، ولا يمثل أكثر من 8% من حجم الهرم- داخل الهرم يوجد طريق إمدادات داخلى يلتف حول الهرم من الداخل، وعلى مقربة من واجهات الهرم، على حد زعم صاحب النظرية.
يمثل هذا المنحدر الداخلى حلقة الوصل المفقودة في نظرية بناء الهرم، ويتكون من 21 طريقًا ملتفًّا حول الهرم، ويتوازى مع واجهات الهرم عند الوصول إلى حجرة الملك العلوية وحجرات تخفيف الضغط. لا توجد ضرورة لبقاء طريق الإمدادت الخالى، حيث تتحتم إزالته فورًا، بعد أن تكون الأحجار الجرانيتية، التي بها حجرة الدفن وحجرات تخفيف الضغط، قد تم وضعها في أماكنها، وهو ما حدث في العام الرابع عشر من عمر بناء الهرم، ويبقى طريق الإمدادات الداخلى وحده المستعمل لاستكمال البناء، الذي استغرق ست سنوات، من بعد الانتهاء من حجرة دفن الملك، وإلى وضع الهريم فوق جسم الهرم. وهناك العديد من الآراء حول تصميم المنحدر الداخلى: الأول أنه صُمم بحجم متناسق ودقيق حتى لا يصطدم بحجرات الهرم أو الممرات الداخلية، والثانى أن العمال، الذين يسحبون الكتل الضخمة عبر المنحدر الضيق لا يستطيعون الالتفاف عبر ركن زاوية 95 درجة، لذلك فإنهم احتاجوا مكانًا أمام الكتل من أجل وضعها وسحبها، لذا فإن المنحدر الداخلى له القدرة على المناورة والالتفاف بأركانه، لذلك يقترح «هودين» أن للمنحدر فتحات من أجل وضع روافع صغيرة لتحريك الكتل عند نقطة الأركان.
هناك العديد من النظريات الأخرى حول كيفية بناء الهرم، والتى تفتقر إلى أدلة ملموسة، فهل تختلف نظرية وجود المنحدر الداخلى عن تلك النظريات؟، وهل هناك أي أدلة تدعم تلك النظرية؟. هنالك أدلة بسيطة حول وجود شقوق في أركان المنحدر، والتى استُخدمت في التفاف الكتل، حيث توجد عند ثلثى الممر الصاعد نحو الركن الشمالى الشرقى، حيث تنبأ «هودين»، واحدة من الفتحات، ففى عام 1986 أقر أحد أعضاء الفريق الفرنسى، الذي كان يعمل في مسح الهرم الأكبر، بأنه شاهد ثعلبًا يدخل الهرم من خلال حفرة بجوار الشق، مؤكدًا وجود مساحة مفتوحة، وهو المنحدر في الغالب، ومن المحتمل أن الثعلب قد تسلق أكثر من نصف المسافة نحو قمة الهرم، ومن المحتمل أن يكون هناك صدع غير مكتشف عند القاع، وهو الذي دخل إليه الثعلب، وسار مع المنحدر، وخرج بالقرب من الشق!. أعتقد أن وجود هذا المنحدر الداخلى مجرد وهم لا دليل له، وإذا كان صحيحًا، فلماذا لم يُشِر إليه العاملون في مسح الهرم scan pyramids حاليًا؟