بقلم - زاهي حواس
يعرض حاليًا فيلم عالمى من أفلام هيوليوود عن نابليون، والحقيقة أنه يحسب للسينما العالمية إنتاج العديد من الأفلام التاريخية عن حروب طروادة وعن الإمبراطورية الرومانية والعديد من الأفلام عن الحضارة الفرعونية. وأود أن أشير إلى نقطة هامة جدًا وهى أننا ليس من حقنا الاعتراض على ما يكتب فى الدراما لأن الدراما هى إبداع من حق المؤلف أو المخرج، وهو المسؤول عن ذلك، وقد كانت الرقابة على الأفلام بوزارة الثقافة ترسل لى الأفلام التى تتعرض للحضارة الفرعونية لمراجعتها!، وكنت أطلب أن يكتب فى مقدمة الفيلم أن القصة من وحى وخيال المؤلف وليس لها أى صلة بالحضارة الفرعونية لأن جميع القصص التى أنتجت سينمائيا عن الفراعنة هى من وحى الخيال وليس من حقى كمؤرخ أن أحجر على الإبداع. كنت أطلب فقط ضرورة الالتزام بالملابس التى تخص هذا العصر، وكذلك شكل المعابد والمنازل. ولكن بعد عرض فيلم نابليون وجدت أن هناك العديد من الصحفيين يتحدثون معى معترضين على أن المخرج قد جعل نابليون يقف وجنوده ويصوبون البنادق إلى أنف أبوالهول.
أى أن المقولة المتداولة على مر الزمان أن نابليون هو الذى قام بهذا العمل جعلها المخرج حقيقة!، وهنا أقول أرجو ألا ننزعج من هذا الفيلم وإذا عدنا إلى الحقيقة نجد أن نابليون كان رجلا على ثقافة، وقبل أن يحضر إلى مصر كان يعرف تاريخ هذا البلد العظيم لذلك صحب حملة من العلماء والمفكرين الذين سجلوا تاريخ مصر فى حوالى عشرين مجلد، ولذلك كانت حملة نابليون السبب الذى فتح أعين العالم كله على الحضارة الفرعونية التى سجلت بالرسومات والصور على مستوى عظيم، ويدل على أن القائد نابليون هو الذى أصدر هذا الأمر بتسجيل تاريخ وأثار الفراعنة. وفى نفس الوقت سوف نرى أن حجر رشيد الذى عثر عليه عام ١٧٩٩ بمنطقة رشيد تم نسخه ونقله إلى القاهرة، وبعد ذلك وبناء على معاهدة الإسكندرية تم تسليم الحجر إلى الإنجليز الذين وضعوه داخل المتحف البريطانى فى حجرة مظلمة ولم يتم عرضه بطريقة جيدة إلا بعد أن طالبت بأن يعود إلى مصر، لذلك قام أمناء المتحف البريطانى بنقل الحجر إلى أهم منطقة حاليا بالمتحف البريطانى، وحدثت محاولات عديدة لفك رموز الكتابة الهيروغليفية حتى استطاع جان فرانسوا شامبليون أن يفك رموز هذه الكتابة وذلك فى السابع والعشرين من سبتمبر عام ١٨٢٢، وهذا الرجل العظيم قد نشأ فى جرونوبل بفرنسا وأذكر عندما ذهبت لحضور مؤتمر المصريات فى فرنسا وقمنا برحلة قصيرة إلى جرونوبل ودخلنا منزل شامبليون، قمت بالجلوس على الكرسى الذى جلس عليه هذا العبقرى ليلًا ونهارًا حتى استطاع حل رموز الهيروغليفية واتضح أن الرسوم مكتوبة بثلاثة خطوط على الحجر؛ وهى الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية وكان شامبليون على دراية باللغات القديمة وخاصة اللغة القبطية التى هى تطور أخير للغة التى استخدمت فى العصر الفرعونى، وقام شامبليون بإرسال خطاب فى رسالة مشهورة لكى يضيف الطابع الرسمى على كشفه العظيم وهذه الرسالة تتعلق بأبجدية الهيروغليفية الصوتية، والرسالة موجهة إلى بون جوزيف داسييه امين أكاديمية النقوش والأدب آنذاك. ورغم أن هذا العمل العظيم جاء بعد أكثر من ٢٠ عامًا على حملة نابليون إلا أن سبب كشفه هو بالطبع حملة نابليون. ولولا نابليون لأصبح علم المصريات مطموسًا غريبًا لا نعرف عنه شىء. وعمومًا إذا عدنا لأنف أبوالهول فسوف نجد أن نابليون لا يمكن أن يفعل هذا العمل الإجرامى وهو الذى دخل حجرة الدفن فى هرم خوفو. فهل يعقل بعد كل ما قلنا عن الحملة الفرنسية، أن يقف هذا الرجل ويقول لجنوده صوبوا على أنف أبوالهول؟!. ونحن كعلماء نعتقد أن الذى كسر أنف أبوالهول هو من ذكره المؤرخ العربى المقريزى الذى جاء إلى مصر فى القرن التاسع الميلادى، وقال إن هناك رجلا يدعى صائم الدهر وكان يعيش بجوار أبوالهول ووجد أن الناس الذين يعيشون بجوار التمثال مازالوا ينظرون إليه نظرة عبادة وتقديس؛ لذلك فقد جاء صائم الدهر إلى أبوالهول ومعه آلة حادة واستطاع أن يصل إلى الوجه لأن التمثال كان دائما مغطى بالرمال وكسر الأنف، ويقال إن بعد هذا الحادث قامت العواصف التى دمرت الزراعة، واعتقد الناس أن ذلك حدث بسبب لعنة أبوالهول.
أعتقد أن مخرج فيلم أبوالهول قد قام بتصوير هذا المنظر لأنه سوف يجعل للفيلم دعاية وسوف ينسى الناس القائد نابليون ويتحدثون عن أنف أبوالهول. وأنا شخصيا كتبت أكثر من ٢٥٠ مقالا علميا فى كل فروع العلم والحضارة الفرعونية، وكذلك أكثر من ٦٠ كتابا. وبعد ذلك قمت بكتابة أوبرا عن الملك توت عنخ آمون، أما سبب كتابتى للأوبرا فهو أننى وجدت أن أوبرا عايدة هى الأوبرا الشهيرة والتى تم وضعها لتعرض عند افتتاح قناة السويس وظلت الأوبرا تعرض فى العالم كله إلى الآن. وقد وجدت أن هناك مشروعا قوميا يوازى قناة السويس، وهو افتتاح المتحف المصرى الكبير الذى كان لى شرف الاشتراك فى بنائه تحت إشراف الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة، وقلت إن المتحف المصرى الكبير هو أهم مشروع ثقافى فى القرن الواحد والعشرين، ولذلك من الضرورى وجود عمل فنى يوازى عظمة هذا المشروع لذلك فقد فكرت فى أن أهم ملك سوف تعرض آثاره فى هذا المتحف هو توت عنخ آمون، وسوف يشاهد العالم كله القطع الأثرية التى سوف تعرض بطريقة حديثة بعد أن ظلت فى قاعات مظلمة سنوات طويلة بالمتحف المصرى بميدان التحرير. وسوف يتم عرض كل قطعة كأننا نراها لأول مرة. ومن المعروف أن كارتر قد عثر داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون على ٥٣٩٨ قطعة أثرية. تم ترميم كل هذه القطع وإخراجها من المقبرة خلال عشر سنوات كاملة، لذلك قلت إن الأوبرا الجديدة لا بد أن تكون عن الملك توت عنخ آمون، وقد اخترت كل الشخصيات الحقيقية التى كانت مع الفرعون الذهبى سواء أبوه أخناتون وجده أمنحوتب الثالث وزوجة أبيه الملكة نفرتيتى، وفى نفس الوقت كان لا بد أن يكون للقصة حبكة درامية لأننا لا نعرف القصة من التاريخ غير المسجل على المقبرة والمعابد المتصلة بهذه الفكرة. وسوف نجد أن كل ذلك يخص الناحية الدينية للملك فى ذلك الوقت لأن المقبرة داخلها مناظر تمثل الملك أمام الإله، وكتب سماوية تساعد الملك على الصعود إلى السماء، والمناظر الملكية على المعابد كلها تخص هزيمة الأعداء وتقديم القرابين للآلهة ومناظر أخرى تخص توحيد مصر العليا والسفلى. لذلك فقد كان لا بد من حبكة تاريخية ليس لها صلة بالتاريخ، وهى أن مولد الطفل كان فى تل العمارنة من أم ليست الملكة نفرتيتى وكانت نفرتيتى لديها ست بنات ليس بينهن ولد واحد أحق بالحكم، لان الملك فى مصر الفرعونية كان لا بد أن يكون ذكرا ولا يمكن للبنت أن تحكم، ولكن لا يمكن للولد أن يحكم بدون الملكة لذلك فقد كان من يعيشون فى العمارنة تابعين لعبادة آمون وموالين لهذا الإله القديم، ولذلك عند ولادة الطفل أرادوا أن يتخلصوا من الطفل الذى سوف يتبع ديانة أبيه!، وذهب هذا الخائن لنفرتيتى لكى تساعده ولكنها رفضت واضطر إلى أن يتصل بملك من الجنوب، وقد أعطيت اسم دولة فى الجنوب ليس لها وجود إطلاقا حتى لا أجد أى شخص يعترض على ذلك، وأرسلت هذه الدولة بعض الجنود ليلا لقتل الطفل ولكن القائد حور محب استطاع قتلهم. وهكذا تدور الأوبرا فى حبكة درامية، وقد قام الفنان الموسيقار الإيطالى لينو زيمبونى بتأليف موسيقى رائعة وجديدة للأوبرا، وقام فرانسيسكو كوستاتونى بعمل سيناريو للأوبرا بالإيطالية.
أما العمل الدرامى الثانى الذى كتبته فهو عن الملك خوفو وعبقرية الخلود، وهو قصة عن بناء الهرم وكل الشخصيات حقيقية بل أضفت بعض الشخصيات الجديدة التى قمت بكشفها وخاصة القزم برنى عنخو وكذلك النجار إنتى شدو، وقد جعلت الملك خوفو يقع فى حب فلاحة بسيطة اسمها حنوتسن قابلها وهو متنكر فى شكل تاجر وهى لا تعرف أنه الملك وعندما تزوجها كان لها تأثير كبير فى حياة الملك، أو بمعنى آخر أن حب الملك للملكة الجديدة ابنة الشعب جعله يقوم ببناء عاصمة جديدة لها تسمى عنخ خوفو، أى خوفو يعيش، وجعل حنوستن تشرف على العمال وتساعدهم حتى استطاعوا أن يقوموا ببناء هذا الهرم العظيم. وداخل هذه القصة العديد من الحكايات التى تحدثنا عن الملك سنفرو ومهندسه وأخيه الأمير نفر ماعت وكذلك ابنه حم أيونو، وهذه القصة سوف يقوم الصديق محمد رشاد صاحب الدار اللبنانية بنشرها. وهذه هى أول رواية تكتب عن الملك خوفو وهناك اهتمام من أحد مخرجى هوليوود بتحويل هذه القصة إلى فيلم أو سلسلة مثل لعبة العروش الذى حصل على شهرة كبيرة.. لذلك أرجو ألا نعطى لفيلم نابليون أهمية لأن ما هو موجود عبارة عن دراما ليس لها صلة بالواقع. لكن إذا كان الفيلم وثائقيا فيجب أن نقف ونقول له إنك مخطئ لأن الأفلام الوثائقية تنقل وقائع، أما الدراما فهى خيال.