بقلم - زاهي حواس
بالكاد انتصف شهر أكتوبر الملتهب طقسًا وأحداثًا! ويبدو أن منطقتنا العربية بل والعالم كله مقبل- أو أقبل بالفعل- على أحداث مفصلية ستضاف إلى التاريخ الحديث. أقصد بالطبع ما يجرى في فلسطين التي تختبر أشد اختبار ومعها الإنسانية كلها. كذلك لا يجب أبدًا أن ننسى ذكرى مرور نصف قرن على نصر أكتوبر العظيم، وأول من نذكرهم هم شهداؤنا الأبطال الذين روت دماؤهم الطاهرة رمال الأرض المحتلة فطهرتها وحررتها من دنس الاحتلال. كذلك لا يجب أبدًا أن ننسى فضل الرجال الذين جعلهم الله سبب النصر وهم رجال جيش مصر العظيم وقائد مصر الزعيم الراحل أنور السادات، وهؤلاء قد خلدهم التاريخ بالفعل.
نأتى بعد ذلك إلى أيام أكتوبر المزدحم حيث وجدت نفسى مطالبا بالتنقل ما بين القاهرة والمنصورة والأقصر ودمياط في أقل من الأسبوع وكأننى سوبر مان أو رجل المستحيل في سلسلة الدكتور نبيل فاروق؟!، وقد أردت أن أكتب لكم عما قمت به في الأيام الماضية لكننى تراجعت وذلك لسببين أولهما ضيق المساحة والالتزام بعدد كلمات المقال، والثانى خوفًا من الحسد يكفى ما حدث لساقى اليمنى أثناء جولتى الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية التي ألقيت فيها ثلاثا وعشرين محاضرة عامة في ثلاث وعشرين مدينة أمريكية!.
بلقيس نقلى.. مبروك درجة الدكتوراه
تلقيت دعوة كريمة من صديقى العزيز السفير أسامة نقلى، سفير المملكة العربية السعودية بمصر، وذلك لحضور مناقشة أطروحة الدكتوراه المقدمة من كريمته بلقيس لنيل درجة الدكتوراه. وقد سعدت عندما علمت أن الدرجة العلمية الرفيعة تمنحها كلية التجارة جامعة عين شمس، حيث كانت تدرس بها كريمة السفير أسامة نقلى وهو بالمناسبة مولود في مصر وعاشق لمصر، ويكفى أن تتحدث معه لدقائق لتشعر وكأنك تعرفه منذ سنوات، وهو دبلوماسى من طراز فريد. نعود إلى موضوع درجة الدكتوراه وهو دراسة عن أساليب التسويق الإلكترونى عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى لإثارة دوافع الشراء، هذا ما فهمته وأرجو المعذرة حيث وصلت متأخرًا إلى المدرج الذي خصص للمناقشة بعد معركة للهروب من الزحام خاصة في محيط جامعة عين شمس العريقة. ولفت نظرى أن الطالبة التي أصبحت الآن الدكتورة بلقيس قد اختارت موضوعا مهما للغاية ويمس ما يحدث من تطور مذهل في وسائل التسويق الإلكترونى، في ظل عالم يتحول بسرعة مذهلة ليصبح عالما رقميا، وما تشهده المملكة العربية السعودية من تطور في كافة مناحى الحياة وفق رؤية موضوعة بعناية للوصول لأهداف محددة ومكانة متميزة في عام ٢٠٣٠. انتهت لجنة المناقشة برئاسة الدكتور وائل قرطام من مناقشة الطالبة وبعد أن اجتمعت لجنة المناقشة لاتخاذ القرار عادت مرة أخرى لتعلن نيل الطالبة بلقيس نقلى درجة الدكتوراه ليلتف حولها أبناؤها ووالداها مهنئين والسعادة تغمر المكان.
دمياط: هل مشيت يومًا على اللسان؟!
اللسان هنا هو منطقة اللسان بمصيف «راس البر». وقد ذهبت الأسبوع الماضى إلى رأس البر ومعى إحدى القنوات التليفزيونية الأمريكية الشهيرة، تملكها شركة Playground Production التي تقوم بعمل أفلام عن المشاهير مثل رواد الفضاء، وقد أنتجت أفلامًا عن رؤساء أمريكا. والقصة تعود إلى عام مضى عندما جاء فريق التصوير إلى مصر وقاموا بالتصوير معى في العديد من المواقع الأثرية مثل أهرامات الجيزة وسقارة والأقصر والإسكندرية والواحات البحرية. وهى المواقع التي قمت فيها بالعديد من الاكتشافات الأثرية المثيرة، مثل كشف مقابر بناة أهرام الجيزة، وكشف وادى المومياوات الذهبية بالواحات البحرية وكذلك المدينة الذهبية بالأقصر، وحفائرى بحثًا عن كليوباترا ومارك أنطونى بالإسكندرية. وقد حصلت القناة على تصريح للتصوير بموقع حفائرى في سقارة المعروف بجسر المدير. وهناك عثرنا على بئر تصل عمقها إلى حوالى عشرة أمتار وفى نهايتها كشفنا عن غرفة دفن غطيت جدرانها بالملاط الأبيض الزاهى وعليها رسومات ملونة رائعة الجمال تعود إلى الأسرة الخامسة من الدولة القديمة. وداخل حجرة الدفن كشفت عن تابوت مغلق منذ أربعة آلاف سنة من الحجر الجيرى وزنه أكثر من ٢٠ طنا. وعلى الرغم من ذلك قام ثلاثة من العمال فقط برفع غطاء التابوت ووزنه يقارب خمسة أطنان، وذلك باستعمال رافعة هيدروليكية بسيطة تسمى العفريتة، يبدو أن أصولها تعود لزمن الفراعنة. المهم قام العمال برفع الغطاء قليلا ووضعوا كتلا خشبية ليريحوا عليها الغطاء. وعندما قمت بوضع رأسى داخل التابوت المغلق منذ آلاف السنين سألنى المخرج عن شعورى، فأجبته بأننى لا أستطيع وصف هذه اللحظة سواء في مقالاتى أو كتاباتى أو محاضراتى، لكنها لحظة هامة جدا في حياة الأثرى، وتمثل اللحظة التي تكشف فيها عن المجهول أولًا، وأنا واقف بجوار التابوت لا أحس بأى شىء يحدث من حولى ولا أسمح لأى أحد أن يتحدث!، إنها لحظة جميلة في عمر الأثرى، وجاءت اللحظة ووضعت رأسى داخل التابوت ورأيت مومياء من الدولة القديمة مغطاة بالذهب.
والأسبوع الماضى عادت القناة التليفزيونية لكى تسجل مقتطفات عن حياتى الشخصية، وقابلوا بعض أصدقائى مثل الدكتور مصطفى الفقى ومحمود طاهر ومحمد الوالى وخالد العنانى من خلال لقاء الفرسان، بل وصوروا مع حفيدتى. وطلبوا أن يذهبوا إلى دمياط وكنا في الإسكندرية في ذلك اليوم، ثم سافرنا إلى رأس البر ودخلنا فندقا جميلا يخص الشركة القابضة للسياحة وهو فندق شتيجنبرجر، وكان في استقبالنا رئيس الفندق هشام سعيد وهو شخص لطيف جدا استطاع أن يجعل هذا الفندق زهرة جميلة داخل رأس البر، والعجيب أن الفندق كامل العدد صيفًا وشتاءًا!، والأغرب أننى ومعى بعض المشاهير ومنهم الدكتورة درية شرف الدين كنا من المعارضين لإقامة أي فندق في ذلك المكان خوفًا على جمال منطقة اللسان!.
قمنا بالتصوير في الصباح في منطقة اللسان الفاصل بين النيل والبحر المتوسط، واستعدت ذكريات الطفولة عندما كنا نذهب إلى رأس البر في الصيف. بعدها توجهنا إلى دمياط وهناك قابلنا الدكتور حمدان ربيع، رئيس جامعة دمياط، وهو أثرى ومرمم ومعه الدكتور وائل الطيبانى نائب رئيس الجامعة. فوجئت بأن الجامعة وضعت رسما تذكاريا لتخليد أعلام ومشاهير محافظة دمياط؛ مثل بنت الشاطئ وأسامة الباز والفريق مدكور أبوالعز وغيرهم من الأعلام، وبالطبع كان لى الشرف أن أكون مع هؤلاء. وقام التليفزيون بالتصوير، ثم صحبنا الدكتور حمدان ربيع إلى لقاء مفتوح مع طلبة الجامعة وقد فوجئت بأن القاعة قد امتلأت بالطلاب وكان عدد الوقوف أكثر من الجالسين، كانت كلمة الدكتور ربيع للطلبة مؤثرة بدأها بذكر أعمال من سبقوه وما حققوه لجامعة دمياط ثم ما أصبحت عليه الجامعة اليوم كونها أحد صروح العلم الشامخة في مصر والتى تحظى بمكانة مرموقة بين جامعات العالم. وقد قمت بعمل مقطع إعلانى للدعاية للجامعة باللغتين العربية والإنجليزية. وكان حديثى مع الطلبة عن سر من أسرار حياتى، وكيف أوصلنى الله سبحانه وتعالى إلى هذه الدرجة من النجاح والشهرة، وكيف حققت أحلامى، وقد منحنى الله أكثر مما كنت أحلم به لنفسى طفلا وشابا.
وبعد اللقاء تبارى الطلاب لالتقاط الصور التذكارية معى، ثم توجهت ومعى فريق التصوير إلى مدينة دمياط وتحديدًا إلى ميدان سرور، وهناك وجدنا لوحة جميلة عرفت أن فودافون أقامتها تضم مشاهير محافظة دمياط وأنا معهم. ثم توجهنا إلى سينما اللبان، وهى السينما التي كنت أذهب إليها لمشاهدة الأفلام أسبوعيا. وأقوم بتوفير مصروفى اليومى لشراء رواية عالمية، وأدخل السينما، وأعود للبلدة في مواصلة عرفت باسم الديزل. وجدنا دار العرض يتم إزالتها الآن، وقد ظهر منها المدخل العتيق. بعدها توجهنا إلى بلدتى قرية العبيدية مركز فارسكور. وهى البلدة التي نشأت فيها ودخلنا إلى منزل العائلة وقابلنا مدحت حواس والعديد من أفراد البلدة. وقام التليفزيون بتصوير الجامع الذي يجاوره منزل الشيخ يونس لتعليم القرآن، ومنزل الشيخ الدسوقى الذي يمتلك قصصا مثل ألف ليلة وليلة، ثم توجهنا إلى مدرسة مناع خليل وملعب كرة القدم الذي كنت ألعب عليه مباريات كرة القدم التي أعشقها، لكن من حظ محمود الخطيب أننى لم أكمل في هذا المجال!.
المنصورة
اتصل بى الصديق أسامة سرايا، رئيس تحرير الأهرام سابقا، وطلب منى أن نتوجه إلى مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، وذلك لعمل ندوة بالمحافظة. سعدت بهذا الطلب، خاصة أننى سوف أقابل صديقى الدكتور أيمن عبدالمنعم مختار، محافظ الدقهلية، الذي استطاع أن يطور ويغير من شكل مدينة المنصورة، والعديد من المراكز والقرى. ونحتاج إلى صفحات للحديث عن إنجازات الرجل المؤمن بالرسالة التي يؤديها، ولذلك يكن له المواطنون الاحترام والتقدير. وقد سعدت كذلك بلقاء النائب طارق عبدالهادى. وبعد لقاء المحافظ في مكتبه توجهنا إلى مدرج المحافظة وذلك لعمل الندوة التي نظمها حزب مستقبل وطن.. وقد قام الدكتور محمد عبداللطيف عميد كلية السياحة وابن الآثار بدعوة طلاب الكلية للحضور. وقدم الندوة الكاتب الصحفى الجميل حازم نصر وتحدث أسامة سرايا عن مصر والإنجازات التي تحدث بها. وبعد ذلك تحدثنا عن الآثار وتناولت الموضوعات التي يهتم بها المواطن المصرى، وخاصة عن الزئبق الأحمر الذي ليس له وجود، وعن سبب عدم وجود أي ذكر لأنبياء الله تعالى في الآثار، وعن أسرار الأهرامات، وأبوالهول، وعن أسرار لغة الفراعنة، وبعد الندوة قام الكاتب حازم نصر بفتح باب المداخلات والأسئلة. وحقيقة فلقد انبهرت بمستوى المداخلات التي قام بها بعض أساتذة الجامعة وكذلك الطلاب.