بقلم - مشاري الذايدي
من مظاهر التحشيد اللافتة هذه الأيام، نزول لفيف من عتاة اليسار والناصريين القدامى إلى ساحات المظاهرات أو ساحات السوشيال ميديا، وترديد شعارات وهتافات الستينات والسبعينات.
لا جديد و«مفيش إبداع» حتى في الهتافات والشعارات، كأنك دخلت عبر آلة الزمن إلى ميادين القاهرة وعمّان وبغداد... والكويت.
على ذكر الكويت، لعلّ من المشاهد الكاشفة للدارس والمتأمل، نوعية الهتافات وفئات النشطاء في ما يُعرف بـ«ساحة الإرادة»، خليط من نشطاء ورموز الحركة الإخوانية مع نشطاء الحركات الشيعية المسيّسة، وأمشاج من اليسار، وبعض الشبيبة الجُدد مختلفي البواعث.
من الشعارات العجيبة هذا الشعار: «يا شعبنا في الحجاز امنع تصديرهم للغاز».
ولست أعلم ما هي الصلة بين الحجاز والغاز، ثم الشعب الذي هناك كما في نجد وعسير والأحساء... وغيرها من مناطق المملكة اسمه شعب المملكة العربية السعودية، يعني الشعب السعودي.
هل المقصود اختيار كلمة تنتهي بحرف الألف والزاي من أجل أن القافية حكمت؟!!!
والغاز كما نعلم اشتهرت به دولة خليجية أخرى، فكان الأولى أن يُطلب منها ذلك، ويصير الهتاف لها... ربما إن القافية لم تساعد، نلتمس العذر لليساري المخضرم الرفيق الكويتي أحمد الديين، رافع هذا الشعار.
علّة اليسار المتعصب هو انغلاقه، وتحوّل الأمر معه إلى عقائد موروثة وليس إلى سياسات تُقرأ بشكل متجدد، مثل تجدد الليل والنهار.
خذ لديك التحالف والتخادم العجيب بين تيارات يسارية تدّعي العلمانية والعلموية، وتيارات أصولية متعصبة، فقط بجامع العداوة لهذه الدولة أو تلك من الدول العربية، فقط.
نشر الباحث السعودي (ناصر الحزيمي) على منصة «العربية» مقالة مهمة عن تعاون اليسار الكويتي ممثلاً بدار الطليعة مع جماعة «جهيمان» الأصولية الإرهابية التي احتلت الحرم المكي مطلع القرن الهجري المنصرم (1400هـ) بدعوى وجود المهدي المنتظر.
جهيمان كان يطبع رسائله في مطبعة دار الطليعة بالكويت، ثم تُهَرَّب للسعودية، يقول الحزيمي نقلاً عن مقابلة بودكاست (طروس) مع الديين، قول الأخير: «المطابع التجارية للطليعة مثل أي مطابع محترمة تحط طباعة كذا، جهيمان كان يأتي إلى الكويت أو يرسل بعض رسائله وينشرها، وين فيه مطبعة ليس للسعودية تأثير عليها؟ فراح للطليعة، راح للمطبعة التجارية في الطليعة، تطبع رسائله ويتسلمها كطباعة تجارية، لا هو دعم له ولا إسناد». ينقل الحزيمي شهادته المباشرة عن أحد أعوان جهيمان هو الكويتي (عبد اللطيف الدرباس) الذي أخبره بأنه طبع رسائل جهيمان بدار الطليعة، دون أي ربح للدار، بعدما أخبرهم الدرباس بأن جهيمان معارض للدولة السعودية!
الديين في مقابلة طروس هذه نفى تعاون دار الطليعة مع جماعة «جهيمان» بطبع رسائله بشكل شبه مجّاني، وأنه «شتّان ما بين واحد سلفي... وناس توجهم وطني ديمقراطي».
ناصر ذكّر الديين بمحاولات التقارب الثوري بين اليمين الإسلامي الحركي واليسار الثوري في تلك الفترة، ولعله نسي البيانات اليسارية المؤيدة لجهيمان. يُراجع في ذلك كلام د. فلاح المديرس في «القبس» 23 ديسمبر (كانون الأول) 2017م.
نحن في أزمة وعي متجدّد.