بقلم - سمير عطا الله
ليس مذكوراً في هوية لبنان، تحت أي برج وُلِد. ولذلك أفتى كثيرون أن برجه الحقيقي هو سوء الحظ. بلدٌ ضعيف يجتاحه الأقوياء شاء أم أبى. مهما اختلفت الأزمان والمراحل، عليه وعلى سواه. أعطته فرنسا الاستقلال بمجرد خروج مظاهرة قُتل فيها ثلاثة شبان. ومنذ ذلك اليوم وهو لا يستقل، تتقاذفه القوى، كلٌ بقواها، وعندما يخطر لمكونٍ من مكوناته أن يمارس لذّة النكران، فهو أول من يُنكر. وعندما تحتدّ الحاجة إلى الولاء، فهو آخر من يوالى. وعندما يتباهى المواطنون بأوطانهم، قلما تباهى به أحد. بلدٌ ولد (سباعياً) ينقصه أشياء كثيرة لأن يكون سوياً. وكلما أطلّت عليه قوةٌ من مكانٍ ما، سارع اللبنانيون إلى بيعها الانتماء والنسب. وكلما تفوقت قوةٌ على قوة في المنطقة، اتجهت فوراً نحو التسلط على لبنان، ليس بوصفه شريكا، وإنما بوصفه تابعا. وطالما أتقن هو هذه التبعية، وصورها دائماً على أن سببها محاولة إنقاذ البلد وليس بيعه. ولا بأس أن نُكرّر الشواهد الماضية لكي نفهم مأساة الحاضر. ففي المرحلة الناصرية، لُقّب سفير مصر عبد الحميد غالب (المفوّض السامي). وفي مرحلة منظمة التحرير، أصدر أبو عمّار قراراً بعزل حزب الكتائب، وحرمانه من الحقوق المدنية، وكان عدد أعضاء الحزب يومها 240 ألفاً. وفي عهد حافظ الأسد وشعار (سوريا ولبنان بلد واحد في دولتين)، دخل ألوف الجنود السوريين من دون حتى المرور بمخفر الحدود.
إيران رأت ما رأته القوى السياسية من قبل: لبنان هو البوابة الأكثر سهولة في توزيع الإرث. ومثل الموارنة والسنة من قبل، كان هناك موالون يقدمون الآخر على الوطن. جاءت إيران ومعها قضية لا نقاش فيها: فلسطين. وما عدا ذلك خونةٌ أو جبناء في أحسن الأحوال.
في هذه الأثناء كانت مشكلة اللبنانيين دائماً السبق إلى الولاء للآخر. فبلدهم كيانٌ ضعيف لا يحمي أحداً. وهم ضعفاء مثله حيال القوى من أي نوع: قوة قوية، وقوة عطرة، وقوة سعر الصرف بالدولار.
أما هو بوصفه دولة فيُغتال رؤساء جمهوريته ورؤساء حكوماته من دون التجرؤ حتى على كتابة محضر ضبط في الواقعة. ولماذا عذاب القلب في أي حال، محضرٌ أو لا محضر، النتيجة واحدة والخطأ خطأ القتيل. عذراً على بعض التكرار لكنه عفويٌ، لأن لبنان يكرّرُ نفسه على نحوٍ مملٍ ورتيب. كلُ ما نشهده من فراغٍ، في الرئاسة، والمناصب الكبرى، وعمل الدولة ليس بجديد. الجديد الوحيد هو حجم الخطر، وحجم التفاهات السياسية، وموعد الخراب الأخير.