بقلم - سمير عطا الله
عاشت الكويت عقوداً طويلة تتابعُ أحوال الطقس وتقلبات الفصول من عالمها الفلكيّ الدكتور صالح العجيري. وبعدما تقدمت الأرصاد الجوية وصارت الناس تعرف الطقس من نشرات الإذاعة والتلفزيون، ظل الكويتيون أمناء لتقاليدهم السابقة، وبقي «تقويم العجيري» معلقاً في كل منزلٍ يقرأون على كل ورقةٍ منهُ حظوظهم من الشمس والغبار والرطوبة. وعندما عملتُ في الكويت تملكتني هذه العادة للسلوى أولاً، وللتأكد من صحة العلوم والتوقعات عند الرجل الفاضل.
كانت هناك مراصد مماثلة في لبنان ومصر وغيرهما، إلا أن العجيري كان يعطي قراءاته نوعاً من اللمحات الأدبية، أو الصور التراثية. وعندما توفي كان قد أقام مركزاً خاصاً لا يزال إلى اليوم من أهم المراصد في العالم العربي. هذا الصيف وصل بنا الحرُّ والقرُّ وجنون المناخ، درجةً عدنا معها إلى العجيري بدل ما يصدر عن علماء الأرض، وما صدر خصوصاً عن الأمين العام للأمم المتحدة، الذي بشرنا بالزلازل فوق الأرض وتحتها، بعدما كان يكتفي في الماضي بالحديث عن الاضطرابات السياسية.
أوائل أغسطس (آب) الماضي، صدر بيانٌ عن مرصد العجيري يقول إن الصيف شارف على مراحل الأفول، وإن في الرابع والعشرين من الشهر سوف تتحرك الأبراج والكواكب حول «سهيل» الذي هو من أكبرها ومن أكثرها لمعاناً وحرارةً، ولا يبعدُ عن كوكبنا أكثر من 315 سنة. تفاءلت خيراً مع جميع أهل المسكونة التي تتلوى بين 50 درجة مئوية في بغداد، وما يشابهها في سائر الخليج. وحتى في كندا بلاد الثلوج والجليد، انقلب طقسها ودمرتها الحرائق، ووصلت المآسي إلى جزر هاواي حيث التهمت النار جزيرةً بأكملها.
قرأت بيان العجيري بالكثير من التفاؤل، ومرّ يوم الـ24 دون أن نشعر بأي تغيير. إن ما تأكد لنا أن كل حسابات الماضي، بما فيها دقة العجيري المعروفة، لم تعد مألوفة مع المتغيرات التي أحدثها في حياتنا ثقب الأوزون. اليوم ظهر الـ28 من أغسطس، هطلت الأمطار في لبنان مبشرةً بزوال حرارة الصيف ورافعةً التحية للعم العجيري، الذي كنا نقرأه على سبيل الدعابة والتسلية، هو وكواكبهُ، وخصوصاً نجمها الأول «سهيل»، فإذا بنا نقرأهُ اليوم على سبيل العلم. هذا لا يعني أن النسيم العليل بدأ يرطب الأجواء، لكن العجيري وعدَ ببداية الهبوط بالحرارة... وقد صدق.