بقلم - سمير عطا الله
دخل العالم رسمياً مرحلة ما يسميه الفرنسيون «العسكر المضاد». أو «الميليشيات». أو غيرها من تسميات، يقصد بها قوى مسلحة خاضعة لأمر سياسي ما، من دون أن تكون ملزمة بتحمل المسؤولية الاسمية. الحدث الأهم مع نهاية العام، كان مشهد مجموعة من الدول في مواجهة علنية مع حركة محلية لا تملك ثياباً عسكرية موحدة تدعى «الحوثي». أعاد الحوثيون إلى الذاكرة صعدة القراصنة الصغار، الذين كانوا يعطلون حركة الأساطيل الإمبراطورية. و«الحوثي»، أو الحركات غير الرسمية هي الصيغة المفضلة عند إيران، حيث يتقدم «الباسدران» على الجيش والقوات المسلحة. وهي تعتمد الصيغة نفسها في جميع الأنظمة الحليفة تحت تسميات مختلفة، ليس فيها ذكر اسم إيران، من «حزب الله» في لبنان وسوريا، إلى «أنصار الله» في العراق.
لجأت روسيا إلى «العسكر المضاد» في أشهر وأغرب عملية. تخلت عن مهابة «الجيش الأحمر» وسمعة البطولات الكبرى، وسلمت أعمالها العسكرية الخارجية إلى قوة من المرتزقة، يرأسها محكوم سابق وطباخ سابق عند بوتين. وكما حدث في حالات تاريخية كثيرة، كبر الثور الصغير وأصبح يشكل خطراً على صاحبه. ووصل مرتزقة «يفغيني بريغوجين» إلى تخوم موسكو، فكان لا بد أن ينتحر أو أن يسقط بطائرة متفجرة، وأن يدفن مع أكاليل خاصة من الرئاسة. وكلمات تعزية رقيقة.
مات بريغوجين وبقيت شركته «فاغنر» حيّة تُرزق ورجالها يقاتلون في سوريا وليبيا وأفريقيا، ومع الجيش الروسي في أوكرانيا تحت اسمه الرسمي، وضابط من ضباطه يقرأ أخبار العمليات كل يوم بلهجة أبرد صقيعاً من ثلوج سيبيريا.
من قبل كانت فرنسا الإمبراطورية قد أسست «الفرقة الأجنبية» التي لا تزال كتيبة منها تشارك في عرض الاستقلال كل 14 يوليو (تموز)، باعتبارها فخراً من مفاخر الدولة ولن تتخلى عنها. البريطانيون «دمجوا» بالجيوش العسكريين الهنود والسيخ، وسواهم، باعتبارهم جزءاً من الدولة وليسوا غرباء، الهدف الأساسي من هذه «التشكيلات» هو تبرئة الجيوش الرسمية من أي ارتكابات تحصل. مواجهة دولية مع ميليشيا الحوثي شيء، والمواجهة مع إيران شيء آخر. لذلك، مثل روسيا من قبل، تخوض حروبها بالواسطة. ولا يعود من الضروري توتر العلاقات أو قطعها، أو استدعاء السفراء «للتشاور».
توسع لعبة الحرب إلى باب المندب يغيِّر جميع قواعد «اللعبة». وهو المصطلح الذي يطلق اليوم، على تبادل القتل والدمار من دون توسيع الجبهات. وفي التطورات الأخيرة قد تصبح «مداعبة» الحوثي لأعصاب الدول الكبرى شديدة الخطورة. فقد ألبس بزة المارشال في البرّ، أما أن يعطى بزة الأميرال في البحر، فسوف تكون المسألة مكلفة على الجميع. تشبه الحالة وضع العراق عشية احتلال الكويت ومحاولة صدام حسين تغيير القوى وخريطة الطاقة في العالم. عندها يتطلب الأمر ساعات إضافية من العمل على صناعة الصواريخ الباليستية في بيداء صعدة.