بقلم : سمير عطا الله
بعد نهاية الحرب اللبنانية العسكرية، عدت إلى بيروت في زيارة قصيرة. كانت المدينة لا تزال خراباً هنا وعماراً هناك... ظلمةً في مكان وضوءاً في آخر. ودعيت يومها إلى عشاء في منزل النائب نسيب لحود، حضره أناس من غير أهل القتال والخنادق، واستمعنا خلاله إلى الموسيقى الكلاسيكية. كتبت يومها أن لبنان مثل إندونيسيا؛ مجموعة جزر، يربطها اسم واحد.
في الخراب الحربي، أو السياسي، تظل الجزر النبيلة قائمة في لبنان. مساء الثلاثاء الماضي، في حديقة منزل الرئيس إلياس الهراوي، قدمت زوجته، السيدة منى، جائزته السنوية إلى أول نائبة في البرلمان، ميرنا البستاني. ومثّل رئيس المجلس في الحفل زوجته رندة بري، كما مثّل رئيس الحكومة عمّته بهية الحريري.
المرأة اللبنانية طليعة الريادة النسائية في العالم العربي. أوائل القرن الماضي كانت «الست نظيرة» جنبلاط تدير السياسة من خلف حجابها، وتعمل من أجل الاستقلال. وميرنا البستاني ليست قصة أول نائبة، بل سيرة امرأة أدارت منذ صباها إحدى أكبر شركات البناء والبنوك والفنادق في العالم العربي.
ليس في لبنان رديف لإميل البستاني الذي ورثت نجاحاته. ثمة رعيل كامل في الخليج يشير إليه على أنه رائد الحركة العمرانية في الصحراء. ولعب المهندس العمراني دوراً سياسياً باهراً إلى جانب مصر في عدوان السويس، كما يروي محمد حسنين هيكل. وكان البستاني قد أنشأ في لندن السياسية صداقات لم يعرف مستواها عربي من قبل.
تعرف المرأة اللبنانية كيف تحفظ وتحيي إرث الرجال... هكذا كان واضحاً في هذه الحديقة الجميلة مساء الثلاثاء: منى الهراوي، التي ورثت إرث أول رئيس بعد الحرب، وبهية الحريري، شريكة شقيقها وابنه في سياسات لبنان البناءة، وميرنا البستاني. ولعل أفضل وأنبل ما يمثلنه هو ما فعلنه في الحقل العام وعمل الخير، اقتداء بالمورِّثين. وكان الرئيس إلياس الهراوي أقلهم ثروة، لكنني لم أعرف أحداً مثله يلاحظ الفقر عند الآخرين. وقد عمل كل ما في وسعه لحفظ كرامة الرؤساء السابقين وعائلاتهم. وبعد فوزه قام مع زوجته بزيارة أرملة الرئيس فؤاد شهاب، وسألها كيف يستطيع أن يساعدها... «لا شيء فخامة الرئيس. سوف أكون شديدة الامتنان إذا سددتم عني ديون البقّال: 300 دولار».