بقلم: سمير عطا الله
تمتعت بقراءة «جمال الأشياء اليومية» للياباني سويتسو ياناغي (1939) عن الأدوات المنزلية والصناعات الشعبية. ما علاقتي بالأمر؟ اجتذبتني صورة الغلاف، وهي لإبريق شاي من الطراز القديم فائق البساطة، الذي لا يزال يُستخدم إلى اليوم. واكتشفت أن فلسفة المؤرخ الياباني في هذا الأمر، وانطباعي العفوي، يتساويان. فقد كنت مقتنعاً على الدوام بأن أهم الأشياء في حياة الإنسان هي ضروراته اليومية: اللحاف الذي يقيه البرد، والضوء الذي يفرج عتمته، والوعاء الذي يطبخ فيه طعامه، والعَجَل الذي سهل انتقاله.
معظم الأشياء الكبرى في حياتنا اخترعها رجال لا نعرف عنهم شيئاً... المنجل الذي ساعد الإنسان على الحصاد، والنول الذي ساعد على حياكة الصوف، وزجاجة المياه، والخزانة، والسرير... وما إليها من وسائل الحياة.
لم أكن مضطراً لقراءة ياناغي لكي أعرف أن الإنسان يستطيع أن يحيا من دون أن يقتني في حياته لوحة فنية، أو بيانو. لكن حياته سوف تكون صعبة من دون ثلاجة أو تلفزيون أو مقص شعر أو مخبز. «الفنون الشعبية» هي التي مهدت للتطور الذي أدركناه. شئنا أم أبينا، صدقنا أم رفضنا، لقد اقتحم الروبوت حياتنا، وقد بدأ يخطف الوظائف والأعمال والمهن. وقريباً، سوف تشغِّل سنغافورة التاكسي الطائر ذاتي القيادة. إنها بلاد لي كوان يو؛ الذي كان أول من رفع مستوى حياة سائقي التاكسي على الأرض. وعندما أمَّن لكل منهم شقة من ثلاث غرف، كان عليه أن يشرح لهم أنه لا يجوز أن ينقلوا معهم الدجاج والأغنام.
يدور نقاش بالغ الرقي في زاوية «نيوتن» في «المصري اليوم» حول الوظائف التي سوف تختفي وموقع العرب منها. وأعتقد أن زاوية «نيوتن» منارة علمية عربية يومية حول المستقبل العربي. لكن الواضح أنه يعيش في عصر سنغافورة، ولا نزال نعيش في الأرياف مع قاضي توفيق الحكيم. وما من متعة عندي إلى اليوم أكثر من قراءة يوميات قاضي الحكيم. لكن فائدة الأمة ستكون أكبر بكثير من قراءة «نيوتن» والنقاش الذي تثيره أفكاره وهمومه الاجتماعية.
يجب ألا نفاجأ، كالعادة، عندما نكتشف غداً أن التغيير لن ينتظر يقظتنا التي لم تفق حتى اليوم. لن أستقل أبداً تلك الرحلة التي تستغرق 19 ساعة و20 دقيقة بين نيويورك وأستراليا ويمر بها شروق الشمس مرتين. لكن شعوري بالتعب أو الملل لن يغير شيئاً في حركة النقل الجوي. آن لنا أن نصدق أن إسرائيل تتقدمنا بشيء واحد؛ هو العلم. أما رجال مثل نتنياهو وعوفاديا يوسف وأفيغدور ليبرمان، فهم عندنا أكثر من الهمّ على القلب... وأكثر.