بقلم - منى بوسمرة
الهامات العالية والقامات الكبيرة لا ترحل، بل تبقى خالدة في القلوب وفي الذاكرة بإخلاصها وإنجازها، والشيخ صباح الأحمد، ليس فقط واحداً من هذه القامات، بل كان، رحمه الله، قائداً تاريخياً واستثنائياً، بكل ما ترك من إرث وبصمة متفردة، استثنائياً في سياسته ودبلوماسيته، واستثنائياً في حكمته واعتداله، وكذلك استثنائياً في إنسانيته وعطائه.
صدق فيه وصف أخيه محمد بن راشد: «قلب الخليج النابض.. وأمير الإنسانية النبيل»، فقد ترك قلبه النابض بالحب لوطنه وأمته بصمة إيجابية كبيرة على الأمن والسلم في المنطقة، ورغم أنه عايش منذ توليه الحكم عام 2006 حقبة من الأكثر اضطراباً، فإنه رسّخ نهجاً من الاعتدال والابتعاد عن الصراعات، وكرّس حياته لمبادرات السلام والوساطة والصلح، وكانت لجهوده الناجحة وحكمته الكبيرة، التي استحق معها لقب «عميد الدبلوماسية»، ثمار عظيمة في تجنيب المنطقة الكثير من الصراعات، والتقليل من حدة النزاعات.
بل عُرفت عنه هذه الدبلوماسية الحكيمة منذ توليه وزارة الخارجية عام 1963، فكان المهندس الاستراتيجي للدبلوماسية الكويتية العربية والباني الحقيقي لها، والقبطان الذي استطاع النجاة بمركب الكويت من محيط عاصف، خصوصاً في العراق المجاور الذي بدأت اضطراباته منذ عام 1980 إثر إعلان الحرب مع إيران، ولم تتوقف. واستطاع بهذه الرؤية السديدة أن يجعل من الكويت شريكاً دولياً ووسيطاً إقليمياً مقدراً، لكل محبي السلام والاستقرار.
وسما بقدر هذه الهامة العالية، في قلوب الملايين حول العالم، إخلاصه وتفانيه في مجال الإغاثة الإنسانية في جميع أنحاء العالم، ما أكسب «أمير الإنسانية النبيل» الكثير من الاعتراف الذي يستحقه كقائد إنساني عالمي، تميز بمدرسته الاستثنائية المتكاملة، في الموازنة بين السياسة والعمل الإنساني، فقاد الكويت إلى دور ريادي في دعم التنمية على مستوى العالم بالمساعدات التي تقدمها، والتي أكد البنك الدولي أن أكثر من 100 دولة استفادت منها.
الاعتراف بأفضال الكويت وقادتها وسام تستحقه، والإمارات -قيادة وشعباً- تعتز على الدوام بالأخوة المتجذرة والقوية والفريدة التي تجمعها مع الكويت وشعبها، فأهل الكويت منا ونحن منهم، وستظل وحدة الدم والمصير المشترك والتوافق والوئام تجمع القيادتين والشعبين على الخير.
واليوم ونحن نعزي أنفسنا وأهلنا بالكويت في فقيد الأمتين العربية والإٍسلامية الغالي الشيخ صباح الأحمد، كلنا ثقة بأن الكويت بأميرها الجديد نواف الأحمد ستسمو من عز إلى عز، ومن رفعة إلى قمم جديدة في نهضتها وتنميتها، وهو سليل أسرة آل الصباح الكرام، وخير خلف لخير سلف، يحمل القيم الأصيلة والنبيلة ذاتها، لتظل الكويت وشعبها ومجدها في أيدٍ أمينة كما نتمنى لها ولأهلنا هناك على الدوام.