بقلم : منى بوسمرة
نضع أيدينا على قلوبنا، خوفاً على الجزائر، فهذا البلد العربي العزيز، بلد المليون شهيد، يُعد ركناً أساسياً في المغرب العربي، وصلته بالأمن القومي العربي صلة لا ينكرها إلا الجهلة.
أولئك الذين يريدون الترويج لنسخة ثانية مما يسمى الربيع العربي، يتعامون عامدين عن كلفة النسخة الأولى، ملايين المشردين، والجرحى، والقتلى، فوق تدمير البنى الاجتماعية والاقتصادية، وتفشي الإرهاب، وشيوع الكراهية، ورغم أن دروس النسخة الأولى، واضحة كما الشمس، فإن هناك مَن يريد لهذا الوباء أن يستيقظ مجدداً، وينتقل إلى دول أخرى.
حسناً الذي فعلته قيادة الجزائر، من حيث إغلاق الباب في وجه جهات خارج الجزائر، تريد جر هذا البلد العربي، الثري بموارده وتنوعه الاجتماعي وحضارته وتاريخه، إلى فتنة كبرى، وبدلاً من فخرنا بشهداء الجزائر في مقاومة الاستعمار، يُراد استبدال ذلك برؤية أبناء الجزائر يحملون السلاح على بعضهم بعضاً، وبحيث تنزلق الدولة نحو الهاوية، ويخسر الجزائريون استقرارهم، تحت عناوين مزيفة تم استعمالها في دول أخرى.
الخطوات التي اتخذتها قيادة الجزائر تدل على حكمة كبيرة، من حيث عدم ترشح الرئيس، والدعوة إلى مؤتمر وطني، وتكليف شخصية بارزة ولامعة برئاسة هذا المؤتمر الانتقالي، أي الأخضر الإبراهيمي، بما تعنيه مكانته الدولية والعربية والجزائرية، وهو الدبلوماسي المحنك واللامع، والمقبول بين أبناء الجزائر، وكل ما نتمناه حقاً أن يؤدي عقد «الندوة الوطنية» إلى نتائج إيجابية، تغلق الباب نهائياً في وجه مَن يريدون تشظية الجزائر وجرّها نحو أجندات الفوضى.
لقد أثبتت الأيام أن قيادتنا فذة، حين حذرت مسبقاً وبما لديها من بصيرة، من هذه السيناريوهات التي يتم استدراج الدول العربية إليها، والذي يقيّم المشهد بشكل عاقل دون أجندات يكتشف صواب بوصلة دولتنا، وليس أدل على ذلك من هذا الخراب الذي نراه في دول عربية عديدة، فلا حافظ الإنسان العربي على ما عنده أصلاً، ولا أنجز جديداً، واكتشف بشكل لا يقبل الالتباس أن كل الشعارات التي تم إطلاقها، مجرد وهْم، يتم عبرها تصيّد الشعوب، ونحرها ببطء، وتدمير حاضرها، ومستقبلها، في توقيت واحد.
نحن هنا في الإمارات، قيادةً، وحكومةً، وشعباً، نتمنى لشعب الجزائر أن يعبر هذا الظرف الحسّاس، وأن يحافظ على وحدته الوطنية، وألا يسمح لمن يريد اختطاف الجزائر بأن ينجح في مخططه، خصوصاً أن الفتن الكبرى تبدأ بشرارة صغيرة، أو بجدل حول أي ملف، لكن إطفاء هذه الفتن ليس سهلاً، بعد أن تحرق كل شيء، ويصير الترميم بعدها مستحيلاً.
نرقب الجزائر بكل أمل، وندرك تأثيرها على الأمن الإقليمي العربي، وهي التي تجاور دولاً عربية لها مكانتها، ويمتد تأثيرها إلى تونس وليبيا ومصر ودول أخرى، وعلى هذا نفهم غايات الذين يريدون إشعال الفتنة في الجزائر، والتي من أبرزها جرّ كل شمال أفريقيا العربي إلى أسوأ السيناريوهات، بما يعنيه ذلك من أثر أيضاً على المشرق العربي.
الشعب الجزائري شعب عظيم، وموروثه نضرب به المثل، ونأمل اليوم أن تعبر الجزائر هذا الظرف، وأن يتكاتف الجزائريون من أجل صون بلادهم، والعبور نحو مستقبل مشرق.