بقلم : أسامة الرنتيسي
بعيدًا عن أطنان الثرثرة الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي وسيل الفبركات التي لا يمكن حصرها في بطن الشبكة العنكبوتية.
وبعيدا عن أزمة إضراب المعلمين التي تتدحرج لتكشف عن عيوب سنوات طوال لغياب التخطيط الاستراتيجي في الدولة ومراجعة أحوال القطاع العام عمومًا، فقد فتح إضراب المعلمين استحقاقات كثيرة حاولت معها الحكومات المتعاقبة ممارسة لعبة (تلبيس الطواقي)، لكن على ما يبدو أنها سلسلة انفتحت حلقاتها في وجه هذه الحكومة المتعثرة البائسة فلن تستطيع مواجهتها لأنها أضعف من أن تواجه مشكلة أصغر بكثير من مشكلة بحجم القطاع العام.
في عام 2006 تم إنشاء وزارة في الأردن باسم وزارة تطوير القطاع العام، بعد أن وصلت الملحوظات مرحلة صعبة عن أوضاع القطاع العام الذي شاخ وترهل وانفلش حيث وصل إلى مرحلة لا ينفع معها العلاج بالمسكنات، وتضخم بشكل لا يمكن لدولة بحجم الأردن احتماله.
مرّ 13 عاما على إنشاء الوزارة التي ألغيت في بداية العام الحالي من دون أن تضع خطة استراتيجية ودراسات علمية لإعادة تقويم القطاع العام لمعالجة الترهلات فيه، ووضع خطة لتطويره على قاعدة تعزيز الانتاجية والتفوق لا على أساس الاستحقاق الواجب.
كما لم تضع الوزارة الموؤودة خطة مدروسة لإنهاء وجود 60 هيئة مستقلة في الأردن، أصبحت حملا ثقيلا على موازنات الدولة، وخلقت فجوة واسعة غير مقبولة في الرواتب بين العاملين فيها والعاملين في القطاع العام بالتخصص نفسه، فالموظف في وزارة الاتصالات “سابقًا” وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة “حاليًا” يختلف راتبه عن الموظف في هيئة الاتصالات المستقلة، وكذلك الحال في الهيئات المستقلة جميعها.
منذ سنوات ونحن نسمع عن مطالبات شعبية ونيابية لإلغاء الهيئات المستقلة ودمجها بالوزارات والدوائر الرسمية لكن لم تجرؤ حكومة على فعل ذلك.
القطاع العام عموما لم يتلق زيادة سنوية منذ آخر زيادة في زمن حكومة الدكتور معروف البخيت قبل عشر سنوات عندما تم وضع دراسة لإعادة هيكلة الرواتب في الأردن.
لم ينكر أحد – حتى الحكومة – مطالب المعلمين بأن تحسين أوضاعهم المعيشية محقة وواجبة، وكذلك الحال لموظفي القطاع العام والمتقاعدين جميعهم، لكن حجة الحكومات أن الأوضاع المالية لا تسمح بأية زيادات في هذه الفترة الحرجة، ومن يضمن أن لا يعم الإضراب عموم القطاعات في البلاد إذا ووفق على مطلب نقابة المعلمين بعلاوة الـ 50 %.
مرة أخرى، لم تعد لعبة تلبيس الطواقي تنفع في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني، وجاء وقت دفع استحقاقات واجبة لكل موظف ومتقاعد في البلاد، ومن حظ الحكومة السيّىء أنها بدأت مع نقابة بقيادة عنيدة شرسة في الدفاع عن مطالبها، لم نعتَد عليها في نقابات وقطاعات أخرى.
الدايم الله…