إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما

إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما

إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما

 السعودية اليوم -

إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما

إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما
جمال خاشقجي

لم يسهب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الحديث عن أوضاع الشرق الأوسط في كلمة الاتحاد الموجهة إلى الشعب الأميركي، فليس لديه هناك إنجاز يفخر به غير الاتفاق النووي مع إيران، الذي يسوقه بمثابة مشروع سلام للعالم، ولكنه مشروع حرب في عالمنا. من بين القليل الذي قاله وردت جملة خطرة يجب أن نتوقف عندها كثيراً، بل ونبني سياسات حولها، يجب أن نعرف فيما إذا كانت مجرد رأي انفرد به، أم أنها متعدية إلى غيره وباتت سياسة أميركية، وذلك عندما وصف ما يجري من تحولات خطرة في عالمنا بأنه «متجذر في صراع يعود إلى ألف عام مضت».
خطورة ذلك أن أوباما ليس محاضراً في جامعة، وإنما رئيس دولة عظمى تتحمل مسؤولية كوارث الشرق الأوسط بما اقترفت يداها فيه وما سيجري، إنها جملة تشوه واقع الصراع وتختزله في طائفية لا توجد إلا في عقول الغلاة من شيعة وسنّة، بينما هو صراع حرية، ورغبة شعوب تريد عالماً عربياً أفضل من ذلك الذي انهار وما زال ينهار.
فور ما أنهى كلمته سارع كثير من الباحثين الغربيين المهتمين والعارفين بالشرق الأوسط إلى تفنيد عبارته، قائلين إنه ليس صراع ألف عام، وإنما صراع معاصر بدأ في الأمس. وبغض النظر عمّن بدأه، إيران بطائفيتها ورغبتها التوسعية، أم نحن برفض ذلك، أم الثوار الذين خرجوا يريدون عالماً عربياً أفضل قبل خمس سنوات في مثل هذه الأيام، فإن أوباما مخطئ تماماً في تحليله.
لقد سبق له أن وصف الصراع بالطائفي في خطب له أو لقاءات صحافية، فهل هذه القناعة تفسر عزوفه عن التدخل، وترك المنطقة تغلي بمن فيها وتنهار؟ هل هذا سبب عدم اهتمامه بانتهاكات حقوق الإنسان، التي تجري كل يوم والتي بلغت مداها باستخدام سلاح التجويع، ليس في مضايا السورية فقط، بل في أكثر من 24 مدينة وقرية وحي في تلك البلاد الممزقة، بل بعيداً حتى تعز في اليمن! ومن قبل ذلك هرب سريعاً من التزامٍ فرضه على نفسه يوم استخدم بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه في انتهاك صريح للشرعية الدولية؟
اتكاء أوباما على «طائفية الصراع» غير متوقع منه وهو الرئيس المثقف والعارف بتاريخ المنطقة، فهل هو تبرير لتخاذله، الذي سيلاحقه تاريخياً، فأزمات الشرق الأوسط لن تنتهي بنهاية عهده، وما نشهده ليس سوى البداية، وحين يكتب تاريخها سيتحمل هو وتردده مسؤولية ما جرى من قتل وتهجير، لعدم تدخله مثلما تدخل سلفه بيل كلينتون في البوسنة مثلاً، بل إنه عطل الراغبين في التدخل حتى استعرت الأوضاع وتعقدت بدخول الإيرانيين و»حزب الله» والروس بعدهم، بينما اكتفى أوباما بتكرار جملة «بشار الأسد فقد شرعيته». ولو لم تحزم السعودية أمرها في اليمن وتمضي إليه، لكانت حاله اليوم من حال سورية.
أم أنها قناعة حقيقية عنده، وكأنه يقول لنا «هذه صراعاتكم الطائفية التي تلاحقكم منذ ألف سنة فحلّوها بأنفسكم»؟! ان كانت كذلك فهذا يستوجب تحركاً ديبلوماسياً وفكرياً من القوى المستقبلية بالمنطقة لتفنيدها وتفكيك بنيتها، كي لا تستقر كسياسة أميركية تساوي بين نظام ماضوي كإيران ونظام مستقبلي كالسعودية، فتعادل بينها وبين من يعيش بعقلية الدعوات السرية في القرون الوسطى القائمة على التوسع والضم والتآمر والاغتيال والاستباحة ويتحرك في المنطقة بمنظار طائفي صرف، فلا تصطف إلا مع أتباع المذهب المستعدين لخدمة مشروعها، ولا يهمها إن كانوا طغاة مثل بشار الأسد أو علي عبدالله صالح، أو حزباً فئوياً تقسيمياً مثل «حزب الله» في لبنان أو «أنصار الله» في اليمن، تغض الطرف عن مذابحهم وجرائمهم، لا ترى في هدمهم المساجد، أو ذبحهم المدنيين بأساً طالما أنهم من أبناء المذهب المخالف.
نعم، السعودية هي من يقود المنطقة اليوم في مواجهة إيران، ولكنها لا تفعل ذلك من منطلق طائفي، ولن يجد أوباما أي مسؤول سعودي يقول إن بلاده تتزعم السنّة في المنطقة، أو يوافق على الجملة الرائجة أن «ما يجري في المنطقة هو حرب بالوكالة بين السعودية، التي تتزعم السنّة وإيران التي تتزعم الشيعة». إنها جملة خاطئة تماماً، ويجب أن تقاوم الرياض إغراءات بعض المتحمسين لأن تتزعم السنّة، إنه بداية السقوط في وحل الطائفية الذي تتمنى إيران أن نقع فيه، نحن أكبر من طائفة، نحن الأمة.
فالمملكة تؤمن بسيادة الدول، وترفض التدخل في شؤونها، ولا تصدّر ثورة، ولا يتبعها حزب، ناهيك بأن تدعم ميليشيا مسلحة، جاهل من يقول إن السعودية تدعم المتطرفين السنّة لمجرد أن هؤلاء غارقون مثل إيران في اصطفافات طائفية غبية تتعارض والمستقبل، والرد عليه سهل، أن متطرفي السنّة مُجرَّمون في السعودية، ولو عاد أحدهم إليها لكان مصيره الاعتقال والمحاكمة، بينما متطرفو الشيعة يحتفى بهم أبطالاً حال عودتهم إلى إيران! من يُقتل من متطرفينا لا يأبه به أحد، ومن يُقتل منهم يحتفى به شهيداً ويرثى في الصحف ويبكى عليه في الحسينيات.
إنه ليس صراع ألف عام، وإنما صراع بدأ يوم تجاهل العالم الغربي، برئاسة أوباما، الأسلحة والتدريب اللذين يحظى بهما «حزب الله» طالما أنها غير موجهة إلى إسرائيل، تلاه تجاهل سيل لم يتوقف من طائرات الشحن الإيرانية تقلع من طهران محملة بالسلاح والميليشيات والكراهية إلى دمشق طوال السنوات الخمس الماضية، لم يدِنها السيد أوباما أو تعترضها قواته وهي تعلم بموعد وصولها وخط سيرها ونوع الأسلحة التي تحملها وتعداد القتلة فيها، تُعترض فقط عندما يشتبه بأنها تشكل خطراً على إسرائيل، ولكن طالما أنها موجهة نحو أبناء حمص وحلب ومضايا، فلا بأس، هذه قسمة ضيزى!
إنه صراع بدأ يوم سكت العالم على ميليشيات «الحشد الشعبي» ضد المدنيين في الرمادي وديالى وكل العراق، بعدما تمهد لهم الطائرات الأميركية الأرض، وتسهل عليهم القضاء على «داعش»، وكأن كل سنّة العراق «داعش»!
إنه صراع بدأ يوم سكت الأميركيون وشككوا في معلومات السعودية بأن إيران ترسل أسلحة إلى اليمن، بل بعيداً حتى نيجيريا.
قبيل جملته عن صراع الألف عام، مهد لها أوباما قائلاً «كشخص يبدأ يومه بتقرير استخباراتي مختصر، أعلم أنه زمن خطر، ولكن ليس لتراجع في القوة الأميركية أو قوة عظمى مقبلة، نحن مهددون اليوم بإمبراطوريات شريرة أقل، ومهددون أكثر بالدول الفاشلة، فالشرق الأوسط يمضي في أتون تحولات ستتوالد طوال عمر جيل بأكمله، جذورها ممتدة في صراع يعود إلى ألف عام».
هذا ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما، على الأقل ليس من جهتنا، في الشرق الأوسط قوى تنظر أكثر إلى المستقبل، تريد أن تعيد بناء الدول التي وصفتها بصدق بأنها فاشلة، وسيستغرق ذلك عمر جيل كامل كما ذكرت. هذه القوى تخلت، بل إنها لم تعش ذلك الصراع الذي وصفته بصراع الألف عام، لأنها هي الأمة الإسلامية، الممتدة من إندونيسيا حتى المغرب، تسير نحو الحداثة والديموقراطية، وترفض أن يكون مستقبلها ولياً فقيهاً إيرانياً يزعم الحكم باسم الله، أو خليفة «داعشياً» يشاركه المزاعم نفسها.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما إنه ليس صراع ألف عام يا سيد أوباما



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab