حنين إلى زمن الأبيض والأسود

حنين إلى زمن الأبيض والأسود

حنين إلى زمن الأبيض والأسود

 السعودية اليوم -

حنين إلى زمن الأبيض والأسود

بقلم : جمال خاشقجي

كم كان الشرق الأوسط واضحاً صريحاً حتى زمن قريب، يسهل فيه تحليل تحولاته وفهم ثوابته. كانت العداوات صريحة، والتحالفات معروفة. حتى المجاملات بينهما واضحة جلية، يعرف الجميع أنها مجرد مجاملات. كان ذلك في زمن «الأسود والأبيض»، أما الآن فنحن في زمن «الرمادي»، حيث يقول القوم، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، ما لا يفعلون.

وقف الثلثاء الماضي على منبر الأمم المتحدة يعظ. قدّم مرافعة بليغة في الدفاع عن الديموقراطية والتعددية، منتقداً تحول الهويات العرقية والدينية إلى سبب لرفض الآخر، وخص بذلك منطقة الشرق الأوسط. لكن في اليوم نفسه نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تفاصيل تدخّل إدارته لإجهاض قانون يفرض عقوبات على النظام السوري وحلفائه، النظام نفسه والحلفاء الذين تخندقوا طائفياً لقتل الغالبية السورية. زعمت إدارته أنها تدخلت كي لا يؤثر صدور القانون في اتفاق الهدنة الأميركي - الروسي في سورية، وهو اتفاق لم يُحترم لحظة، واخترقه النظام والروس على مشهد من العالم، ويخرج نظام بشار ليقول إن الاتفاق سقط، فيرد عليه وزير الخارجية الأميركية بأن الاتفاق لا يزال قائماً، فننشغل نحن - معشر المحللين - في محاولة تفسير هذه التصريحات المتباينة، فينتصر بعضنا لفكرة أن «موسكو هي المتسيدة»، وآخر لفكرة أن «واشنطن استيقظ ضميرها وهي عائدة لنصرة الشعب السوري»، وثالث يتفرغ لشرح فقدان نظام دمشق السيادة؛ إذ تتفق القوتان العظمى خلف ظهره! لكننا ننسى أجمعين أن اتفاق الهدنة فاقد لمعناه، إذ «لا توجد هدنة»، فالقتل مستمر، والبراميل المتفجرة مازالت تسقط بالعشرات فوق المدنيين، بل حتى قافلة الإغاثة أغير عليها، فعن أي هدنة يتحدث كيري؟ وعن أي اتفاق تدافع واشنطن، وهي تضغط على النواب الديموقراطيين في الكونغرس لسحب قانون ضد النظام السوري وحلفائه؟ وهي لم تفعل ذلك في حق قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب الشهير بـ «غاستا»، والذي صدر بإجماع أعضاء الكونغرس، ليهدد العلاقة مع حليف أساسي للولايات المتحدة يفترض أنه أهم لديها من «بشار الأسد وحلفائه»، وهو المملكة العربية السعودية!

هذا ما أقصده بالسياسة الرمادية التي باتت سائدة هذه الأيام في كل المنطقة من سورية حتى اليمن وليبيا، ولا يختص بها أوباما وحده، بل غالبية القوى المتنفذة في الشرق الأوسط. ربما الروس والإيرانيون هم الأوضح، ولكن وضوحهم لا يساعد أحداً، ذلك أنهم متحصنون في جانب الشر من الصراع.

في زمن مضى كان استهداف قافلة إغاثة بغارة جوية ومقتل عشرات المتطوعين والعاملين في منظمة دولية كافياً لأن يتحرك مجلس الأمن، ويتخذ إجراءات عقابية صارمة. حصل هذا مساء الأحد الماضي. أقرت الأمم المتحدة و «الصليب الأحمر» بالحادثة فوراً، ولم تسميا المعتدي. في اليوم التالي خرج النظام بكل صفاقة، ومع حلفائه الروس يتهمون المعارضة، ما أثار سخرية المعلقين، الذين تحدثوا عن «طيران أحرار الشام». استمر الكذب والتجاهل، مع علم الجميع أن الفضاء السوري مغطى بالكامل من غرفة عمليات شبه مشتركة تتبادل المعلومات، أسسها الأميركيون والروس لضمان ألا يصطدما بالخطأ وهما يقومان بعمليات على الأرض السورية، كلٌّ ضد أهدافه المفضلة. مساء الثلثاء كشف البنتاغون حتى عن نوع الطائرات التي قامت بالاعتداء وعددها، طائرتا «سوخوي»، قال إنهما في الغالب تابعتان لسلاح الجو الروسي، لكن يمكن أن تكونا سوريتين. هذا أفضل، فهو سبب وجيه لأن يقوم التحالف باستهداف المطار الذي انطلقتا منه بمثابة إجراء عقابي، بل حتى تنفيذاً لأحد بنود الهدنة القاضية بمنع طيران سلاح جو النظام.

ما فائدة الاتفاقات إذا لم تلتزم الأطراف المعنية بها؟ هل هذه الرمادية سياسة حقيقية، أم أنها مجرد تغطية لحال انسحاب أميركية، فتنثر خلفها هذا الكم من الاتفاقات والتصريحات والاجتماعات والغضب والتحذير لتضليل القوى الإقليمية؟

هل الوجود الروسي القوي في سورية هو ما يمنع الولايات المتحدة من التدخل؟ لكنها قصفت مقرات للنظام في دير الزور الأسبوع الماضي، ولم تسقط السماء الروسية على الأرض الأميركية، واستمر التواصل والاتفاق والخصام بينهما. قالت واشنطن إنه «كان خطأ». يمكنها أن تقصف مرة أخرى «بالخطأ» مدرجات وحوامات البراميل المتفجرة. هي الأخرى قوى عظمى، أو لعلها في حاجة إلى من يذكّرها بذلك.

هذه الرمادية نجدها أيضاً في ليبيا، حيث أجهد العالم نفسه، فجمع الليبيين بمختلف مشاربهم السياسية في الصخيرات المغربية، وبعد مفاوضات شاقة خرجوا بحكومة وفاق دعمها مجلس الأمن، وبالتالي المجتمع الدولي. ومثل أي اتفاق لابد من أن يكون هناك معارضون له. في زمن الأبيض والأسود، ستفرض عقوبات على المعارضين وإجراءات لإخراجهم من اللعبة السياسية، طالما أنهم لم يلتزموا بها، ولكننا في الزمن الرمادي. احتل جنرال، زعم أنه قائد الجيش الليبي، هلال النفط الليبي، في تعدٍّ سافر على الحكومة الوطنية الليبية. تزداد الرمادية ضبابية إذ تتكشف معلومات عن مشاركة فرنسا التي يفترض أنها شريك للاتحاد الأوروبي الذي دعم حكومة الوفاق، فإذا بها توفر طائرات تشارك الجنرال حفتر معاركه. مصر أيضاً لا تخفي تأييدها حفتر في مخالفة للشرعية الدولية. أقصى ما سيفعله العالم هو إصدار قرار يمنع شراء النفط الليبي المصدر من الموانئ التي يسيطر عليها الجنرال الخارج على الشرعية. في النموذجين السوري والليبي، تكمن مشكلة الرمادية، وهي انها تعقد الأزمات، وتطيل أمد الصراعات، وتزيد معاناة المواطنين، والأخطر أنها تولّد أزمات جديدة وخلافات إقليمية أخرى.

مملة هذه السياسة الرمادية ومكلفة. تجعلنا نحن إلى سياسة الأبيض والأسود، مثل ما جرى في آب (أغسطس) 1990 حين غزا صدام حسين الكويت، فصرح الملك الراحل فهد قائلاً: «يا نعيش سوا، يا نموت سوا»، ليبدأ وصول نصف مليون جندي من الولايات المتحدة، ويحتشد أكبر جيش منذ الحرب العالمية الثانية في السعودية، ويأخذ الجميع ينتظر متى تبدأ حرب تحرير الكويت. وعندما حاول صدام حسين أن يأخذ العالم إلى ساحته الرمادية، صرح الرئيس الأميركي الأسبق بوضوح بأن «صدام يجب أن يترك الكويت»، ولم يتراجع عن خطه الأحمر. كانت السياسة يومها أبيض وأسود. أو كما قال الملك الراحل: «يا نعيش سوا، يا نموت سوا».

arabstoday

GMT 21:27 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعني حضور محمد بن سلمان قمة العشرين؟

GMT 07:27 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

التوقعات في أزمة «خاشقجي»

GMT 09:17 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مكاسب إيران في أزمة خاشقجي

GMT 08:08 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تكاليف أزمة خاشقجي ومآلاتها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حنين إلى زمن الأبيض والأسود حنين إلى زمن الأبيض والأسود



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 19:18 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

5 طرق لتنظيف السيراميك والأرضيات من الطبيعة

GMT 16:43 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

بناطيل هوت كوتور ربيع 2021 من أسبوع باريس

GMT 12:48 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

جامعة سعودية تتوصل لنتائج تقضى على فيروس كورونا

GMT 13:28 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

عادل عصمت يناقش "الوصايا" في نادي ركن الياسمين

GMT 19:49 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"البيت الأبيض" يُعلن سحب قوات بلاده من سورية

GMT 19:12 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد إكسبلورر 2020 الجديدة تظهر بتمويهات خفيفة

GMT 03:54 2018 الخميس ,30 آب / أغسطس

ترشيح أحمد السقا لبطولة فيلم "أشرف مروان"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab