تركياضريبة المكان

تركيا..ضريبة المكان

تركيا..ضريبة المكان

 السعودية اليوم -

تركياضريبة المكان

بقلم : مصطفى فحص

لا يملك رئيس الوزراء التركي بن علي يلديرم، اللياقة البدنية الكافية، لكي يستطيع الوصول في ستة أشهر إلى نقطة النهاية، في سباق الحواجز الإقليمية والدولية المقام في سوريا. ففي الحلبة السورية، يعرف المشاركون نقطة الانطلاق، لكنهم لا يعرفون نقطة النهاية، كما أن حواجز المضمار السوري صعبة ومعقدة، لدرجة أنها تفرض على المشارك مهما بلغت قدراته، الاكتفاء بوصوله سالًما نسبًيا إلى خط النهاية، دون التطلع إلى الدرجة التي حاز عليها، والقبول بالنتيجة حتى لو اعتبر نفسه أحق بأفضل منها. وأيًضا، لا تملك حكومته اللياقة السياسية والاستراتيجية الكافية، كي تستطيع تغطيته في تخطي هذه الحواجز بأقل خسائر ممكنة. فيلديرم والحزب الذي يمثله في السلطة، لا تنقصهما المعرفة في التاريخ، ولا الدراية فيالجغرافيا، كي يقتنعا بأن لياقة الدولة التركية أشد صعوبة في مسألة القفز فوق الثوابت التي أُسست عليها الجمهورية، وفرضت من خلالها جغرافيا سياسية التزمت بها الطبقة السياسية التركية على مدى سبعة عقود، باعتبارها عقيدة المكان.

هو المكان إذن، يفرض ثوابته على تحولات الموقف التركي، فهو الحّيز الذي اتخذه التاريخ مساحة، تصنع فوقها الأحداث، منذ موقعة جالديران، مروًرا بمعركة مرج دابق وإلى الآن. وبما أن الحدث سوري، فهو لم يعد خارجًيا، بل يفرض اعتباراته على الأتراك ليتحول إلى شأن داخلي، والتعامل معه ليس كجزء من الأمن القومي فقط، بل هو في صلب الأمن الوطني، حيث يصبح التنازل فيه معصية، والتشدد مقتلة، لذلك يحاول حزب العدالة والتنمية تجنب الاثنين.

في المعصية السورية، حملت المؤشرات السياسية في الأيام الأخيرة، وفًقا للتصريحات المتتالية لإردوغان ويلديرم وعدد من المسؤولين الأتراك، أن أنقرة تتجه مع سبق الإصرار والترصد نحو ارتكاب خطيئتها الكبرى، وهو ما يمكن اعتباره انقلاًبا جذرًيا في المواقف، يستفيد منه أعداء الثورة السورية في خطتهم لإعادة تعويم النظام السوري مع الأسد أو من دونه، وهو ما عجزت عنه طهران وموسكو في العلن، وباراك أوباما ضمنًيا. إلا أن توقيت التلويح التركي في الاستدارة، صدم حلفاءها الدوليين المدانين بالتقصير في الدفاع عنها في مواجهتها مع روسيا، والإقليميين الذين تهيأوا لشراكة طويلة الأمد معها.

وعليه، لم تعد القضية السورية مسألة ترف سياسي، يمارسه بعض الساسة الأتراك في أنقرة وإسطنبول، ولا يعبر بن علي يلديرم عن موقف تركي موحد، فهو أقل الزعماء الأتراك إلماًما بالأزمة السورية، إلا أن إردوغان يحاول الاستفادة منه كوجه جديد في رئاسة الحكومة، وفي جس النبض الداخلي والخارجي حول ما يمكن أن تتخذه أنقرة من خطوات في اتجاهات عديدة من القضايا الإقليمية المرتبطة بالوضع السوري. ولذلك يعتبر وجوده في السلطة مكسًبا للحزب الحاكم أمام الرأي العام التركي، الذي نجح إردوغان في كسبه بعد معركته ضد الانقلابيين، لكنه غير واثق من دعمه له في قضايا أخرى اختلطت فيها العواطف الدينية بالذاكرة الجماعية، وما بينهما من تراث مشترك يصعب تخطيه.

تلقف الطرف المقابل حالة الإرباك التركي، فشنت طهران هجوًما دبلوماسًيا، روجت فيه إلى تفاهم ثلاثي أقرب إلى التحالف، يغلق الأبواب على كل اللاعبين الدوليين والإقليميين، وخصوًصا العرب، فعين طهران كانت دائًما وأبًدا على الرياض، فيما عين موسكو على الغرب، وخصوًصا واشنطن، فبدأ كل طرف في التعبير عن حسن نياته، غابت أنقرة عن خطاب أمين عام حزب الله الأخير، على الرغم من الانتكاسة العسكرية الكبيرة التي تعرض لها حزبه في حلب، استمر في مهاجمة الرياض كأنها العائق الوحيد أمام انتصار إيراني حاسم، أما موسكو فلم تتأخر في إرسال طائرات الأسد لضرب القوات الكردية التي تحارب من أجل حكم ذاتي، وهو مصدر قلق دائم لأنقرة وطهران، فيما توالت المعلومات عن عودة الاتصالات بين قيادات من حزب
العدالة والتنمية وشخصيات أمنية من نظام الأسد جرت في إحدى العواصم العربية، إضافة إلى لقاءات جرت مع جهات فاعلة سياسًيا وعسكرًيا في المشهد السوري، فحاولت أنقرة تطمين من تبقى من أصدقائها بأنها متمسكة بوحدة الأراضي السورية وبمنع قيام سلطة طائفية أو عرقية، ولكنها غير متمسكة بموعد لرحيل الأسد، هو موقف سابق توافقت عليه مع الرياض أثناء محادثات جنيف، ولكن بشروط قاسية على الأسد وأركان حكمه، على ما يبدو عجز المسؤولون الأتراك عن فرضها على الإيرانيين والروس، فطهران لا تقبل بأقل من العودة إلى ما قبل 2011، أما موسكو فتبحث عن انتصار يعيد الأوضاع في سوريا إلى ما قبل .1991

ترفض واشنطن ومعها «الأطلسي» من موقع المنتصر في الحرب الباردة، العودة إلى توازن القطبين، فعلى الرغم من كل ما يشاع عن استدارة تركية، فإن الدولة والجيش وما بينهما «إنجرليك»، جزء من منظومة غربية ثابتة، وبأن الدولة التركية الحديثة أكثر مكانة من الدولة العميقة، فإذا كانت شروط الثانية جغرافية، فإن الأولى صنعت من الجغرافيا عقيدة لها ضرائبها، لكنها حافظت لتركيا على مكانتها التاريخية، وإلا فإن العودة إلى ما قبل 2002 ليست صعبة.

arabstoday

GMT 11:59 2024 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

غزة ــ لبنان: بين فك الارتباط وفصل الاشتباك

GMT 09:00 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

الاغتيال وضوابط الاشتباك

GMT 15:33 2023 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

لبنان على كف... نتنياهو

GMT 10:17 2023 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

جدلية الكفاح المسلح من جنوب لبنان وإليه

GMT 17:41 2023 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

جدلية الكفاح المسلح من الداخل وإليه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركياضريبة المكان تركياضريبة المكان



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 17:04 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الدلو الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 16:31 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج العذراء الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 15:06 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالة رائعة لسارة سلامة في جلسة تصوير جديدة

GMT 09:43 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

كاريلو يكشف عن كواليس البقاء مع "الهلال"

GMT 03:32 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

مروان الشوربجي يودع ربع نهائي بطولة قطر للاسكواش

GMT 10:08 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

اتحاد جدة ينهيء الشعب المصري بالصعود إلى كأس العالم

GMT 13:33 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

محمد عساف يغني في 5 مدن كندية دعماً لأطفال فلسطين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab