حلب العنف ولادة التاريخ

حلب.. العنف ولادة التاريخ

حلب.. العنف ولادة التاريخ

 السعودية اليوم -

حلب العنف ولادة التاريخ

بقلم : مصطفى فحص

بين وعد وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمس بلفور للحركة الصهيونية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين٬ وبين قبول الرئيس الأميركي باراك أوباما بالهيمنة الإيرانية على سوريا كجزء من امتدادها الجيو ­ سياسي قرابة قرن من الزمن٬ تتكرر فيه الأحداث وتتشابه الوقائع٬ فمواقف أوباما في سوريا حولته في الوعي الجماعي السوري والعربي٬ إلى أهم ضمانات بقاء النظام٬ وإلى شريك في الارتكابات الوحشية التي تمارسها عصابات البعث ضد الشعب السوري٬ هذا الموقف يعود بالذاكرة الفلسطينية والعربية إلى تصرفات سلطة الانتداب البريطاني في فلسطين٬ وعدم مواجهتها الفعلية لممارسات عصابات الهاغانا بحق الشعب الفلسطيني.

يعتبر كارل ماركس «أن للعنف دوًرا أساسًيا في نهاية إمبراطوريات وقيام أخرى»٬ لذلك يراهن عليه صناع القرار في كتابة التاريخ٬ وهذا يظهر جلًيا في القضيتين الفلسطينية والسورية٬ ففي الحالتين تأسس العنف الذي وصل إلى مستوى التوحش٬ على منطق عقائدي٬ يؤمن بأن القوة تغلب الكثرة٬ خصوًصا إذا كانت هذه «الكثرة» مترهلة مشتتة تفتقد لأدنى أدوات القيادة٬ مما يسهل على «القوة» جّرها إلى مواجهة غير متكافئة٬ تكون نتيجتها هزيمة تاريخية٬ تجبر «الكثرة» بمفهومها الأغلبي على قرار نزوح داخلي٬ ينتج عنه تحول ديموغرافي بأبعاد عديدة٬ ظاهرها عرقي ومذهبي٬ وباطنها أمني هدفه إبعاد الخطر الديموغرافي عن النظام٬ ترافقه عملية لجوء ضخمة٬ هدفها تخفيض حجم الكتل السكانية غير الموالية٬ ضمن سياسة تشتيت الأغلبية ثم إخضاع من تبقى منها٬ وهذا ما حصل في فلسطين التاريخية٬ ويحدث الآن ضمن جغرافية سوريا الجديدة التي باتت تعرف بـ«سوريا المفيدة».

قرب دمشق من الحدود مع فلسطين٬َضِمَن للنظام استقراره السياسي في العاصمة٬ فيما تدفع حلب اليوم ثمن موقعها لأسباب عديدة٬ فهي بوابة التدخل التركي في سوريا٬ ومفتاح أنقرة التاريخية على الشام٬ أما بالنسبة لروسيا فهي المحطة الأخيرة في طريق الحرير الذي يحاول بوتين استرجاع سلطة بلاده عليه٬ فيما يدفع الحرس الثوري بقوة من أجل احتلالها٬ بهدف تغيير نهائي للمعادلة٬ أما باراك أوباما فيحاول التخلص من عبء بقائها بيد الثوار٬ فهذا يعيق رغبته في إعلان هزيمة الثورة٬ قبل رحيله عن السلطة٬ لذلك يقدم الفرص للنظام بالجملة٬ إلا أن الأسد هذا المرة أمعن في توحشه٬ مما أدى إلى إحراج إدارة البيت الأبيض٬ التي على الرغم من هول الجريمة لم تتراجع عن موقف رئيسها المصّر على رفض المنطقة العازلة٬ متمسًكا برؤيته الأحادية للحل في سوريا٬ رؤية تتقاطع فقط مع المصالح الإيرانية على حساب الأمن القومي العربي والإقليمي.

بين الجريمة المنظمة في حلب وتعثر العملية التفاوضية في جنيف٬ عنف مفرط ومقصود من قبل طهران وموسكو وواشنطن٬ مما دفع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للتذكير بموقف المملكة الثابت على ضرورة رحيل الأسد بعملية سياسية أو عسكرية٬ هذا العنف كشف عن موقف تركيا الضعيف والمكبل٬ وهي ترى كياًنا كردًيا يقترب من إعلان الاستقلال ورغبة روسية ­ إيرانية في عزلها٬ مخاطر تضع أنقرة والرياض أمام مسؤولية تاريخية٬ وتدفعهما إلى ضرورة تجاوز الخطوط الحمراء٬ مستفيدتين من اعتراف جون كيري بأن الأمور «خرجت عن السيطرة»٬ بحيث تصبح الفرصة أمامهما متاحة من أجل مساعدة الثورة السورية في استعادة توازنها. ففي حلب يعاقب المجتمع الدولي المفاوضين السوريين على تمسكهم بمطالبهم٬ وتعاقب موسكو الأتراك على إسقاطهم السوخوي٬ وهي غير راضية على دعم السعودية للشعب السوري٬ ويعاقب الشعب السوري لأنه مصّر على رحيل الأسد٬ وتعاقب أوروبا على قبولها بالنازحين٬ ويعاقب المجتمع العربي بإنتاج مزيد من الدواعش٬ وتنتقم طهران من المدائن إلى جالديران وصولاً إلى اليمن.

لقد أسس العنف لقيام دولة إسرائيل المرفوضة من محيطها٬ وكاد عنف «القاعدة» وأخواتها أن يؤسس لدولة الخلافة المزعومة٬ لولا أن حدود سايكس ­ بيكو لم تكن وهمية٬ ويحاول الأسد بعنفه المفرط تأسيس دولة مستحيلة تقوم على معاداة من حولها٬ فيما تدفع سوريا التاريخية ثمن موقعها الجغرافي المرتبط بحسابات جوارها٬ بحيث تتناقض مصالحهم فيها إلى حّد الصدام المباشر٬ وتتقاطع فجأة لدرجة الشراكة٬ فقد كشف الامتداد الجيو ­ سياسي لسوريا عن مصلحة مشتركة إيرانية ­

سرائيلية في الحفاظ على نظام دمشق٬ وعن توافق إيراني ­ تركي بمواجهة الأكراد٬ وتقارب روسي ­ أميركي للحد من الطموحات التركية٬ وفيها حصل إجماع إسرائيلي ­ إيراني ­ أميركي ­ روسي على ضرورة عزلها عن عمقها العربي٬ من هنا يمكن فهم السلوك المتوتر للقوى الكبرى من ثورة الشعب السوري٬ فعملت على إجهاضها تدريجًيا٬ وسمحت للعبة الأمم في تحطيمها٬ إذ اندفع كبار اللاعبين الدوليين من مقامرين ومتآمرين ومغامرين وطامحين إلى محاولة فرض خياراتهم الاستراتيجية٬ بعد أن أثبت موقعها الجغرافي أنها محور أساسي في صناعة تاريخ المنطقة وإعادة تركبيها سياسًيا وطائفًيا٬ حيث سيعاد رسم الأحجام والنفوذ بعد اكتمال دورة العنف الذي بات ممًرا لولادة التاريخ.

arabstoday

GMT 11:59 2024 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

غزة ــ لبنان: بين فك الارتباط وفصل الاشتباك

GMT 09:00 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

الاغتيال وضوابط الاشتباك

GMT 15:33 2023 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

لبنان على كف... نتنياهو

GMT 10:17 2023 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

جدلية الكفاح المسلح من جنوب لبنان وإليه

GMT 17:41 2023 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

جدلية الكفاح المسلح من الداخل وإليه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلب العنف ولادة التاريخ حلب العنف ولادة التاريخ



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 16:48 2024 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

اكتشاف بروتين يحفز إنتاج الدهون الجيدة والتخلص من السمنة

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 09:30 2016 الأربعاء ,11 أيار / مايو

لازم يكون عندنا أمل

GMT 05:34 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

"قبعات التباعد" سمحت بعودة الدراسة في الصين

GMT 11:29 2020 الخميس ,05 آذار/ مارس

أعمال من مجموعة «نجد» تعرض في دبي 9 الجاري

GMT 14:43 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح من أجل محاربة الأرق عن طريق الوجبات الخفيفة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab