د. وحيد عبدالمجيد
إذا صح ما نُشر على أوسع نطاق عن تغيير فى بعض مناهج التعليم تحت عنوان تجديد الخطاب الدينى أو تصحيحه أو ما إلى ذلك من تعبيرات، فهذا يعنى أننا مازلنا نفتقد العقل الذى يستطيع استيعاب طبيعة المشكلة وكيفية التعامل معها.
فإذا كان الهدف هو مراجعة التراث حتى لا يكون بعضه سبباً فى انتشار أفكار متطرفة تدفع إلى الإرهاب، وبغض النظر عما إذا كان هذا الإرهاب ناتجاً عن فكر وليس عن بيئة سياسية مجتمعية، يصبح استبعاد بعض أحداث التاريخ الإسلامى بدون مراجعتها بمنهج نقدى حرثاً فى بحر وتعبيراً عن إساءة فهم طبيعة المشكلة.
فقد نُشر وبُث فى كثير من وسائل الإعلام أن التغيير فى مناهج التعليم سيشمل أحداثاً تاريخية من بينها تلك المقترنة بالحروب التى خاضها كل من صلاح الدين الأيوبى وعُقبة بن نافع.
غير أنه فضلاً عن عدم وضوح المنطق وراء استبعاد أحداث يوجد الكثير مما يماثلها فى التاريخ، تبدو هذه الطريقة فى «مواجهة التطرف» عديمة الجدوى. فما نحتاجه فى مراجعة التاريخ هو نظرة نقدية لأحداثه، لكى لا يُعاد إنتاج أسوأ ما حدث فيه.
ويختلف ذلك جوهرياً عن طريقتين سقيمتين تقدم إحداهما صورة وردية جميلة لهذا التاريخ بكل ما فيه، وتُخفى ما حدث فيه من انتهاكات وتجاوزات ومذابح لا يخلو تاريخ أى أمة من مثلها, بينما تعبر الطريقة الثانية عن العقل الإقصائى فى أعلى مراتبه وهى استبعاد بعض أحداثه كلها من مناهج التعليم دون إدراك أنها موجودة فى كثير من الكتب المتداولة.
ولذلك لا يحقق استبعادها أى نتيجة مما يُرجى تحقيقه تحت العنوان الفضفاض المتعلق بتصحيح الخطاب الدينى، والذى يتجاهل أن إصلاح البنية السياسية المجتمعية لا يقل أهمية عن هذا التصحيح الذى نجد الآن ما يدل على تخبط فى فهمه.
فالمعالجة النقدية لتاريخنا هى التى تساهم تدريجياً فى تحديد سلبياته، التى تُعيد تنظيمات الإرهاب إنتاج بعضها الآن. وهذا هو ما فعله الأوروبيون فى التعامل مع الجوانب المظلمة فى تاريخهم، من خلال قراءة نقدية وإبداعية لها فى آلاف الكتب والأفلام والمسرحيات التى ناقشت تجاوزات الكنيسة وانتهاكات محاكم التفتيش ومذابحها. وكانت هذه المعالجة هى إحدى أهم روافع تقدمهم. فهل نستطيع أن نعى ذلك ونستوعبه؟