د. وحيد عبدالمجيد
تثير صورتان بثهما تنظيم داعش وقال إنهما لاثنين من منفذى هجمات باريس مساء الجمعة الماضى سؤالاً عن مغزى هذا التصرف إذا كان جهاز الإعلام فى التنظيم هو المسئول عنه. فإحدى الصورتين هى لشخص يعيش فى قطاع غزة ولم يغادره طوال حياته، والثانية لآخر ظهر مرتدياً غطاء رأس يعتقد البعض أن الهنود السيخ وحدهم هم من يرتدونه، رغم أنه شائع فى كثير من البلاد الآسيوية.
كما وُجدت على الانترنت صورة مشابهة تماماً للشخص نفسه، ولكنه يحمل فيها جهاز أى باد بدلاً من المصحف الذى ظهر بين يديه فى الصورة التى يُعتقد أن داعش بثها.
وفضلاً عن عدم وجود ما يؤكد أن التنظيم الإرهابى هو الذى بث الصورتين، فثمة احتمال آخر هو أن يكون قد فعل ذلك فى محاولة لتضليل أجهزة الاستخبارات التى تحاول تجميع خيوط الخلية التى خططت وأسهمت فى عملية باريس, وليس فقط عن منفذيها.
ولكن الأهم من هذا كله هو أن مناقشة حقيقة مسئولية داعش عن مثل هذه العملية لا يمكن أن تعتمد على تفاصيل صغيرة من هذا النوع. فالسؤال الجوهرى هنا هو: ما الذى يجعل داعش مضطراً إلى القيام بعملية كبيرة فى أوروبا للمرة الأولى منذ تأسيسه على نحو يخالف منهجه الأساسى.
فقد اعتمد هذا التنظيم منذ ابريل 2013 منهج التمكين عبر السيطرة على مناطق والتوسع انطلاقاً منها وفق شعاره المعروف الدولة باقية وتتمدد، واستبعد منهج النكاية الذى تتبعه القاعدة ويدخل هذا النوع من العمليات فى إطاره.
ولم يكن داعش فى حاجة إلى تشتيت جهده فى عمليات حول العالم، لأنه انغمس تماماً فى السعى إلى إقامة ما أسماه الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ثم إعلان خلافة. وتمكن بالفعل من السيطرة على مساحات شاسعة تمتد من ديالى فى العراق إلى الرقة فى سوريا.
لكن هذه الاندفاعة لم تلبث أن أوقفت، ثم بدأ التراجع تدريجياً منذ الربع الثانى فى العام الحالى. وصارت دولته مهددة بدرجة غير مسبوقة فى الأسابيع الأخيرة. ولذلك لجأ إلى الضرب فى باريس بقوة لتوجيه رسالة إلى الغرب مفادها أن استهداف معاقله سيؤدى إلى انتشار آلاف من الإرهابيين حاملين معهم الدمار والذعر أينما حلوا، وكأنه يقول إن وقف الضربات التى تهدده المعاقل هو خير للعالم من السعى لتحريرها من براثبه.